محمد علاء الدين يكتب: قولى أنكِ هنا.. أنكِ لستِ هناك

الثلاثاء، 09 مارس 2010 07:21 م
محمد علاء الدين يكتب: قولى أنكِ هنا.. أنكِ لستِ هناك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الشخصيات:
الأبناء: حسين ومحمود
الأم: سيدة عجوز فى الستين من عمرها
الحفيد: شاب فى العشرين من عمر
الزمان: قبل بضع سنوات من الآن
المنظر: فى خلفية الجانب الأيمن من خشبة المسرح يوجد منزل (ما زال فى طور البناء) يتوسطه باب حديدى ويقف أمامه شابان، أما الجانب الأيسر فخلفيته سوداء، ولا يوجد به سوى كرسى متجه صوب الجمهور ويجلس عليه الحفيد , وكرسياً آخر إلى يساره، عند منتصف اليسار من خشبة المسرح (متجهاً إلى اليمين) وتجلس عليه الأم العجوز
المشهد:
حسين: الحمد لله أن أباك بدأ أخيراً فى بناء هذا المنزل
محمود: نعم.. الحمد لله أنه أخيراً فعلها.. فعلها بعد عناء
حسين: ولكنه فعلها
محمود (فى تهكم): نعم فعلها
حسين: ولكن مشاكلنا ما زالت لم تحل حتى الآن
محمود: وهل تظن أنها ستحل فى يومٍ من الأيام
حسين: نعم فأنا حسن الظن بالله
محمود: ولكنك لست حسن الظن بأبينا بكل تأكيد
حسين: ولما لا أكون حسن الظن بأبيبك
محمود: آلا تعرف لما
حسين: لا.. لا أعرف
محمود: تقصد أنك لا تريد أن تعرف.. فأنت لا تريد أن ترى الحقيقة
حسين: عن أى حقيقةٍ تتحدث
محمود: حقيقة أبيك.. ألا تتذكر كيف تزوج أخوك عمر.. ألا تتذكر ذلك
حسين: بلى أتذكر
محمود: لا.. لا يبدو أنك تتذكر شيئاً على الإطلاق.. فأخوك عمر لم يستطع الزواج ألا بعد مفاوضات طويلة مابين أمك وأخوتك البنات وأبيك.. وكل ذلك من أجل ماذا..؟ من أجل أن يعطيه بعض المال لكى يستطيع أن يتحمل تكاليف الزواج وأنت.. ألا ترى حالك
حسين: نعم أراه ولكن..
محمود (مقاطعاً حسين): ولكن ماذا.. ألا ترى أنك فى الثلاثين من عمرك وبالرغم من كونك طبيباً لم تتزوج حتى الآن.. فما بالك بشخصٍ مثلى لا يمتهن شيئاً على الإطلاق.. وبالرغم من ذلك فقد طلبت من أبيك مراراً وتكراراً أن يعطينى دكانه المقفل.. ذلك الدكان الذى أصبح كالمقبرة الموحشة المغطاة بالتراب.. لكنه رفض.. ألا تريد أن تعرف لما رفض.. ألا تريد أن ترى الحقيقة.. أنه لا يحب سوى كنز المال.. تلك هى الحقيقة.. أنه لا يريد أن يغير شيئاً على الإطلاق.. لا يريد
حسين: أنه لا يريد أن يساعدنا حقاً.. ولكن هذا ليس دليلاً على أنه بخيل.. كل ما فى الأمر أن له نظره فى الحياة قد تبدو لنا قديمة وغرائبية بعض الشىء
محمود (فى تهكم): غرائبية بعض الشىء
حسين: نعم غرائبية
محمود: أنا لا أحب الفلسفة
حسين: ومن قال لك أنى أتفلسف.. كما أنه ليس ملزماً بزواجنا.. فلم يعطيه أحد المال لكى يتزوج.. ولو كان بخيلاً حقاً كما تقول.. فلما علمنا أعلى التعليم وأطعمنا أفضل الطعام وألبسنا أجود الملابس.. لما كل هذا.. لما
محمود: لما تدافع عنه دائماً
حسين: أنا لا أدافع عنه
محمود: حسناً.. لو لم يكن بخيلاً كما تقول.. فلما منع أمك من أن تبيع جزء من أرضها لكى نتزوج
حسين: لأنه يريد أن يحتفظ بالأرض.. فهو يرى أن بيعها من المحرمات.. هذا ماتربى عليه.. لذلك قلت أن له نظرة فى الحياة قد تبدوا لنا قديمة وغرائبية بعض الشىء
محمود: عدنا للفلسفة
حسين: حسناً ما دام كلامى لا يعجبك فمن الأفضل ألا نتحدث بعد الآن
محمود: هذا أفضل
( يخرج محمود خنجراً من جيبه ثم يلتقط قطعه خشبية من على الأرض ويبدأ فى تجزيبها)
حسين: لم تحمل هذا الخنجر معك دائماً؟
محمود: ألم تقل أنك لا تريد مخاطبتى
حسين: لم تجب على سؤالى.. لم تحمل هذا الخنجر معك دائماً؟
محمود: من الأفضل أن لا تعرف
حسين: أعطنى هذا الخنجر
محمود: لا.. لن أعطيك إياه
(يحاول حسين أن يأخذ الخنجر بالقوة فى حين يحاول محمود أن يمسك به جيداً)
(يظلم الجانب الأيمن وتسلط دائرة من الضوء على الأم العجوز).
الأم العجوز: أتعلمون يا أبنائى.. أنا لا أريد شيئاً قبل أن أموت سوى أن نذهب جميعاً الى بيتنا الجديد.. لا أريد شيئاً سوى أن تكونوا بجوارى فيقيم عمر بالطابق الثانى وحسين بالطابق الثالث ومحمود بالطابق الرابع.. لا أريد شيئاً سوى أن أحاط بأبنائكم فيداعبوا ويشاكسوا جدتهم العجوز التى تحاول أن تنال منهم ولا تستطيع.. وأن مت قبل ذلك.. عليكم إخراج جنازتى من بيتنا الجديد.. تلك هى وصيتى.. وأمنيتى الأخيرة
(تقطع دائرة الضوء وتسلط دائرة أخرى على الحفيد الذى ينظر إلى جدته ويخاطبها قائلاً)
الحفيد: أتعلمين يا جدتى.. أريد أن أزورك أكثر.. أن أبرك أكثر.. فأنت التى ربتنى صغيراً.. وأنا.. أنا الناكر للجميل
( تقطع دائرة الضوء وتسلط دائرة أخرى على الأم العجوز)
الأم العجوز: أبوكم.. ألا تبروا أباكم.. قد يكون مقصراً فى حقكم ومخطئاً فى كل ما يفعل.. نعم أنا أقر بأنه مقصر.. لكنه ليس الرجل الذى تظنون.. أكد لكم أنه ليس ذلك الرجل
(تقطع دائرة الضوء وتسلط دائرة أخرى على الحفيد)
الحفيد: أتعلمين يا جدتى.. أشعر أحياناً بأنكِ لا تخشين الموت بقدر ما تخشين على الأحياء من البقاء.. أشعر بأنك تفكرين دائماً فى مصير أبنائك بعد موتك.. بعد أن تفارقى الحياة.. وتفارقيهم
(تقطع دائرة الضوء وتسلط دوائر متتالية على حسب ترتيب المتحدثين).
محمود: أبوك لا يحب سوى كنز المال
الحفيد: أريد أن أكون بقربكِ أكثر
حسين: أبوك ليس بالرجل البخيل
محمود: أنا لا أحب الفلسفة
الحفيد: أنكِ لا تخشين الموت بقدر ما تخشين على الأحياء من البقاء
حسين: لما تحمل هذا الخنجر معك دائماً
الأم العجوز: أبيكم ... ألا تبروا أبيكم
( أظلام تام )
( بعد لحظات يسمع بكاء ونحيب النسوة فيضاء الجانب الأيمن وتسلط دائرة من الضوء على الحفيد
(يخرج حسين ومحمود مسرعين فى حين يقف الحفيد وينظر الى الجانب الأيمن وهو فى حالة من الخوف والترقب)
(بعد لحظات يدخل الأخوة الثلاثة والأب ومعهم بعض الرجال والنساء إلى داخل المنزل)
(يظلم الجانب الأيمن وتسلط دائرة من الضوء على الأم العجوز)
(ينتفض الحفيد ويجرى مسرعاً بأتجاه جدته ويجثوا على ركبتيه أمامها وهو يصرخ قائلاً): لستِ ميته.. قولى أنكِ لستِ ميتة.. قولى أنكِ هنا.. أنكِ لستِ هناك
الأم العجوز (وهى تبتسم بعد أن مسحت دموعه براحتيها المرتجفتين): نعم أنا هنا.. لكنى أيضاً هناك

(إظلام النهاية)





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة