فؤاد قنديل يكتب: هذه هى السينما

الأحد، 07 مارس 2010 04:44 م
فؤاد قنديل يكتب: هذه هى السينما الكاتب فؤاد قنديل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أظن أنه أصبح من المستقر تقريبا فى أذهان عشاق السينما الحقيقية، أن الأفلام الأمريكية الخشنة قد ساهمت فى إفساد ذائقة مشاهدى السينما فى العالم وخاصة فى مصر، كما ساهم فى هذا الإفساد عدد من صناع الأفلام الذين تسيطر عليهم فكرة سقيمة هى محاولة إرضاء الشرائح الدنيا من المجتمع بوصفهم الأكبر عددًا، ومن ثم فهم مصدر مهم مثل مغارة على بابا للربح والثراء وربما الشهرة، ومثل ذلك حدث فى سوق الغناء الذى بلغ بعضه أدنى المستويات وقطع صلته تماما بكل ما يخص الفن، وهكذا تردى الذوق، ومما يدعو للأسف الشديد أنه كلما تردى انتشر، وغدا هو السائد والمهيمن، وهذه الحال جزء من مشكلة تتردد كثيرا فى الأيام الأخيرة عن تراجع الثقافة المصرية، وبالطبع فإن أكثر عناصر هذه الظاهرة يتجلى فى حال السينما والغناء، وكلاهما يتصدران المشهد الثقافى على نحو من الأنحاء، ولولا الإبداع الأدبى لكانت الصورة بالغة الأسى.

لقد كتبت وكتب غيرى عشرات المقالات عن وجود فنانين كبار وواعدين يمكن أن يقدموا سينما راقية وإنسانية، لكن المنتجين فى الأغلب هم الذين يقطعون الطرق على كل عمل فنى رفيع، فالرفيع والرائع فى نظرهم هو الشباك وكم من جرائم ترتكب باسمه وبسببه، والحال لا يخفى إلا على مكابر أو تاجر.. فالتاجر لا يجد مشكلة أن يترك الذهب ليبيع الخردة، أو يتخلى عن الكتب ويبيع الأدوات الصحية، ويترك عصافير الزينة ليربى الخنازير..المهم الشباك.

استدعتنى هذه الأوجاع بعد أن شاهدت فيلم "رسائل البحر" من تأليف وإخراج الفنان الكبير داوود عبد السيد، صاحب عدد من الأفلام الجيدة التى لا يمل المرء من مشاهدتها.

"رسائل البحر" فيلم يجمع على شاشته كل ما هو جميل من الموسيقى والفن التشكيلى واللغة السينمائية المميزة إلى الرقص والحوار العذب والحنان والحب والقيم وكذلك الضعف الإنسانى ممثلا فى حالة زوج بسمة وفى حالة كارلا وصديقتها وفى حالة يحيى البطل ذاته وصديقته بسمة وصديقه البودى جارد قابيل، ويتمثل أيضا فى التاجر الذى يريد أن يهدم عمارة الحب والجمال والعلاقات والذكريات البهيجة وأيام العز ليقيم محلا تجاريا ضخما ويسعى بإخلاص نادر لطرد عائلات هذه العمارة الفاتنة.

البطل "يحيى" مصاب بتعثر قليل فى لسانه، رامزا للدلالة على عدم قدرته على التواصل مع البشر بشكل كامل وحميم، وعندما يحدث هذا التواصل ينطلق اللسان من عقاله ويفرح القلب وتلمع العيون.

الكادرات السينمائية لا تكف عن جذبنا إلى الجمال فى لقاء الأحبة سواء بالروح أو بالجسد، وفى نوات البحر وثورة أمواجه التى لا تختلف عن ثورة البشر ولا تكف عن حوارها مع الصخر، وبهاء المطر الذى يغسل ويجدد ويجمع وقد يفرق ولكنه يخصب النفس والأرض، ويتحاور مع الدنيا حاملا رسائل السماء الرحيمة.. وتأخذنا الكاميرا إلى جمال وروعة فن العمارة فى تصميم المبانى والزخرفة على وجوهها التى تحاول أن تطبع عليها ملامح الإنسان بينما تتراقص أمامها الأشجار المورقة، ومن حجراتها الهادئة التى تهرب من المطر إلى الدفء، تتناهى إلى الأسماع موسيقى ناعمة تربت على أرواحنا المهددة، إذ لا وجود فيها للصخب والعنف والإفيهات المنكرة والغوغائية، بل شعر فى كل موقف، وهل ثمة سينما دون شعر؟!

لست معنيا هنا بحكاية القصة ولكن باستعراض القليل من اللمحات الفنية التى غابت طويلا عن السينما المصرية.. تلك اللمحات التى تعبر عن روح الفن الأصيل الذى قيل عنه كثيرا إنه الأقدر على جعل الحياة جديرة بأن نحياها.

الاسم الحقيقى لهذا الفيلم هو "رسائل عبد السيد" الذى أرسلها فى زجاجة من البحر بلغة قد تبدو غير مفهومة، لكنها كانت باعثة لنا على أن ننجذب إلى سحر السينما.. قال داوود فى رسائله التى لم يتقبلها البعض فى الفيلم: ليس مهما أن تكون هناك رسالة فى الفن فتكفيه هذه اللحظات التى تغذى العقل والوجدان وتدفع ولو على استحياء للتسامح مع البشر الذين تعصف بهم ظروف العيش.

رسائل داوود أيضا تتوجه إلى من يصفعون الجماهير بأفلام هى عبارة عن صفائح محشوة بالضجيج والرعب والإثارة المقيتة والفجاجة باسم الواقعية من أجل أن نلعن أنفسنا ونلعن الحياة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة