الناقد أحمد الصغير يكتب: جمال عدوى شاعر الحزن والألم

الأحد، 07 مارس 2010 03:53 م
الناقد أحمد الصغير يكتب: جمال عدوى شاعر الحزن والألم الدكتور أحمد الصغير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لاشك أن الشاعر جمال عدوى من الأصوات الشعرية المتميزة فى اللحظة الراهنة، لما له من صوت مائز ورؤية غائرة ووجع سرمدى داخل الذات ومع الذات الشاعرة، يحمل جمال عدوى روحه، وكأن هذه الروح هى ربة الشعر التى جعلته كائنا حيا بل وهبته الحياة نفسها، ومن ثم فقد لفت جمال عدوى الأنظار إليه منذ صدور ديوانه الأول سلفنى روحك يا إبراهيم، فقد أمسك الشاعر بأدواته الشعرية كاملة، وأضاف، فيما أظن، إلى مدرسة شعر العامية المصرية صوتا مغايرا على مستوى الرؤية والتشكيل داخل النص الشعرى، فقد يشعر القارئ / المتلقى أن النص الشعرى لدى جمال عدوى هو نص مختلف يطرق القلوب قبل الآذان، من خلال أحاديثه العميقة عن آلام الذات وتمزقاتها وجراحاتها المتعددة، فأصبحت القصيدة لديه كائنا حيا موازيا لحياته الشخصية بكل بساطتها ونضجها وحميميتها المطلقة التى لا حدود لها، وتأتى هذه الدراسة من منطلق الاحتفاء بعدوى من خلال ديوانه خلاويص الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، تتأسس بنية الديوان على مجموعة من المرتكزات المهمة التى تميز بها جمال عدوى منها: لغة الألم، والصورة الدرامية، وإيقاع الحزانى، والسرد البكائى.

فعلى مستوى الشكل نلاحظ عنوان الديوان "خلاويص" فخلاويص هى قصيدة داخل الديوان تعمد الشاعر أن تكون آخر قصيدة؛ لتعلن عن نهاية الرسالة التى توجهها الذات الشاعرة للآخر، وهى مفردة تنبع من الحس الشعبى عند جمال عدوى، لا الحس الفنتازى / الخيالى، لأنه من بيئة تقدر هذا الحس وتقدسه، فقد جاءت معظم القصائد تنحو هذ ا المنحى، ومن ثم نلاحظ الإهداء الذى يقول فيه:
إلى
كل العيال الهبل بالأحلام
فى الدنيا البخيلة حقايق
اقسموا معايا الألم
...... يمكن تخف الجراح!!!
يصنع عدوى فى الإهداء مفارقة تصويرية تتغلف بالدراما ما بين الحقيقة والخيال/ الأحلام التى لا تتحقق فى الدنيا البخيلة، ثم نرى الذات تطل برأسها، لتدعو هؤلاء الحالمين لاقتسام الألم، يمكن تخف الجراح، وكأن هذه الجراح لا تخف ولا تندمل.

كما أن المتلقى غير العادى يدرك أن المفتاح الرئيس لرؤى جمال عدوى ينبع من خلال الدعوة التى دعا فيها هؤلاء، وهى اقتسام الألم رغبة فى أن تخفف الجراح، فهو شاعر الألم والجراح الذى أضناه العشق الجنوبى، ومن العتبات النصية للديوان أيضا مقطوعة قصيرة بعنوان "رن الجرس"، وكأنها العتبة الرئيسة التى يلج من خلالها المتلقى إلى عالم الديوان الذى تصول فيه الذات وتجول.
فيقول:
"رن الجرس!
وأقلق عينيها النعسانين
فى عتمة الخوف والخرس
خليها تغسل حضنها
منك شروق
واديها حسك....
تبلعه قبل الفطار
يمكن تروق
ثبت صباعك ع الزرار
وانده لها
يمكن تصادف رنتك
لحظة حنين
تملالها لين
يمكن تراجع نفسها
ويجيها شوق
وتفتح لك الباب الحديد!"
تبدو هذه اللقطة الشعرية المكثفة محملة بالشوق والحنين والرغبة فى الحياة، ولذلك فإنها ترتكز على المفارقة ارتكازا واضحا فى قوله: رن الجرس/ اقلق عينيها النعسانين/ عتمة الخوف والخرس، تغسل حضنها منك شروق، وكأن الذات الشاعرة هى التى تمنح الآخر الحياة سواء أكان هذا الآخر المحبوبة /الحياة / الوطن /القرية.

يستمد جمال عدوى من الواقع الراهن مفرداته وسياقاته اللغوية وهذه السياقات إنما تضيف إلى مدرسة شعر العامية المصرية إضافة مهمة ،لما تحتاجة من ثقل فنى وموضوعى وهناك دراسات كثيرة تناولت أثر البيئة فى الشعر من حيث اللغة والتركيب.
فقد جاءت البنية التركيبية فى شعر عدوى مرتكزة على الجمل القصيرة المكثفة التى تعتمد على الإيقاع الممزوج بالشجن والألم، لأن الإيقاع الموسيقى هو جزء من تجربة النص أى أنه يحمل دلالة ما فى النص الشعرى.
وقد تجلى ذلك فى شعر عدوى فى قوله:
أول هام
يا أيها الولد المكبل بالقلق
حاسب
مش مستحب
إنك تغنى لموتك
ولا مستطاب لك
إنك تموت فى غناك فاحذر
صحيح أن جمال عدوى من الشعراء الذين وهبوا أنفسهم للشعر، فقد يميل إلى اللعب بالعالم داخل النص ونجده يضع حيلة نصية داخل النص ذاته يوهمك أنه يخاطب الآخر لكنه فى الوقت نفسه يخاطب ذاته هو، و كأنه يصنع مليودراما (حديث الذات لذاتها ) فالذات الشاعرة هى الرقيب الداخلى الذى يرصد تحركات العالم الخارجى، وأصبحت هذه التيمة قارة فى شعر عدوى لأنه يكتب نصه الشعرى بعيدا عن الادعاء والزيف الذى يسيطر على حياتنا الشعرية فى مصر.

* ناقد مصرى وأكاديمى
كلية الإلهيات- جامعة ريزه- تركيا






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة