«ماما، إنتى رايحة السوق، طيب أنا عايزة أتفسح معاكى»، كانت هذه الجملة هى آخر جملة قالتها سهيلة 8 سنوات، لوالدتها علا عبد العزيز 43 سنة فى يوم الجمعة 15 يناير، قبل أن تخرج سهيلة مع ماما علا وتعود بدونها إلى البيت، لتبقى هى وإخوتها الثلاثة بدون «ماما» إلى الأبد.
لم يتمالك أيمن بكرى الزوج 44 سنة نفسه وهو يحكى بدموعه قصة وفاة علا فى ذلك اليوم، يقول: «كان يوم جمعة، وكنت أنا فى شغلى لأنى أعمل فى إحدى شركات البسكويت فى التوزيع على المخازن طوال الأسبوع ولا آخذ إجازات، وعرفت أن علا أخذت سهيلة وخرجت بعد صلاة الجمعة لشراء بعض لوازم البيت من السوق، وفى طريق العودة ركبت علا توك توك لأن أحمال المشتروات كانت ثقيلة عليها، ولأن التوك توك هو وسيلة التنقل الداخلية الوحيدة فى المنطقة التى نسكن بها ببرج العرب، وأثناء ركوبها التوك توك الذى كان يقوده أحد الأطفال كالعادة، انحرف وسقط فى حفرة بعمق 4 أمتار تقريباً، كانت معدة للبناء وأرضيتها أسمنتية، تجمهر الناس وكانت المفاجأة أن سهيلة «اتنترت» بعيدا، وعلا أصيبت بكسور فى قاع الجمجمة، والفك، وحدث لها نزيف داخلى، وحملها الناس لتموت فى مستشفى برج العرب التى كانت تعمل فيها سكرتيرة، بينما توفى سائق التوك توك على الفور. يلتقط الزوج المكلوم أنفاسه بصعوبة، ويضيف: «اتصلوا بى فجريت إلى المستشفى، وهنا أصابنى الانهيار وهى فى المغسلة ممددة أمامى، وعند الدفن طلبت منهم أن يضعونى إلى جوارها، علا ضاعت منى ومن ولادها فى لحظة، فى خروجه، والغريب أنها كانت كل ما تقابل حد قبل الحادث بأسابيع كانت توصيه بالأولاد خيراً وكأن قلبها كان حاسس».
بعد إنهاء إجراءات الدفن، وتلقى العزاء فى حب حياته، كما يصفها ذهب أيمن إلى مكان الحادث والتقط بموبايله صورا لدماء علا التى ظلت آثارها لفترة واضحة على الفرشة الأسمنتية للحفرة الكبيرة، وقد اختلط بمشترواتها من الخضراوات، فى ذلك اليوم، يقول: «هذا المكان المشئوم، صاحبه لديه مصنع فى برج العرب، وعرفت أنه ينتوى بيع هذه الأرض المفحوتة منذ 7 أشهر بهذا الشكل بملايين، وهى الآن قد أصبحت مقبرة مفتوحة لكل الناس الغلابة ومنهم مراتى».
لم يقف أيمن مكتوف الأيدى، ولكن قام بتحرير محضر بعد الحادث مباشرة وهناك فوجئ بالتالى، يقول: «طلبت من وكيل النيابة اللى عمل المحضر إنه يعمل معاينة، فرفض وقالى إن كل شىء فى الآخر ح يتحفظ، فليه نؤذى صاحب الأرض دى؟! ولأنى قليل الحيلة ومش بتاع مشاكل، سكت، ولكن بداخلى نار، مكثت فى البيت شهرا لا أذهب إلى عملى، ولا أريد رؤية أحد، ولم أعد أحتمل منظر عمر ابنى 14 سنة وهو يقول لى، «بابا أنا شفت ماما فى الحلم لابسة أبيض فى أبيض»، أو ريم 12 سنة وهى بتطبب على ظهرى وتقولى معلش يا بابا، أكيد ماما ح تخش الجنة، أو يمنى 10 سنوات وقد كساها الحزن، والدموع تتساقط من عينيها كلما جاءت سيرة «ماما علا» أمامها، حياتى اتلخبطت، وولادى ممزقين، ودم مراتى راح هدر، نصحنى البعض برفع قضية على رئيس جهاز برج العرب بشخصه، وصاحب الأرض، لأن هذه الأرض التى ابتلعت أم ولادى ستبتلع آخرين ودم الناس مش هدر يا ناس، ولكن الحزن مازال يسكننى، ولم أفعل شيئا، وكلما تذكرت علا أشعر أن قلبى سيتوقف.