◄◄ أحذر من دخول مصر فى فوضى صاخبة إذا لم ندعم مفهوم الدولة المدنية بسرعة
فى عام 2002 صدر قرار تعيين المحامية تهانى الجبالى كأول قاضية فى مصر، وتحولت من القضاء الواقف فى قاعات المحاكم إلى القضاء الجالس على منصة العدالة، وسط انقسام طبيعى حينها بين فريقين مؤيد ومعارض ورغم ذلك فإنها عندما جلست أقصى يمين المنصة باعتبارها أحدث عضو ضمن هيئة المحكمة التى ضمت 15 قاضيا حينها برئاسة المستشار فتحى نجيب ونظرت المحكمة فى 16 طعنا على نصوص قانونية، رحب المحامون الذين تولوا مهمة الدفاع فى القضايا التى نظرتها المحكمة بالقاضية الجديدة وأثنوا على قرار تعيينها وقالت تهانى الجبالى إنها تفخر بتوليها منصب القاضى لأول مرة فى مصر وأكدت أن قرار ترشيحها تأخر كثيراً موضحة أنها ستعمل لتكون عند حسن ظن من عينها فى هذا الموقع الرفيع وحسن ظن زملائها.
وبعد مرور 8 سنوات من هذه الخطوة الهامة فى ملف مكاسب المرأة، فوجئ الجميع بالجمعية العمومية لمجلس الدولة يرتد بقوة للخلف ويعود إلى ما قبل 1948 ويرفض تعيين المرأة القاضية، قبل أن تتراجع مرة أخرى فى اجتماعها التالى مباشرة.
وحول هذه الأزمة ذهبنا لأول قاضية فى مصر لنحاورها حول هذا الارتداد غير المبرر.
ما تبريرك حول هذا الارتداد الخطير المتمثل فى رفض مجلس الدولة تعيين المرأة قاضية؟
- «أزمة بدون لازمة».. هذه مجمل تعليقى على هذه الأزمة برمتها، ولكن وأنا أسترجع الدور التاريخى للقضاء المصرى وفى مقدمته مجلس الدولة, الذى كان برموزه وأحكامه قاطرة تقدم للوطن, أصابتنى الدهشة، لأن قرار الرفض يأتى من المعنى بصيانة الحريات والحقوق الدستورية, وبكل ما يملكه من استنارة فكرية, ورحابة ثقافية وفقهية، علاوة على أنه فى عام 1948 أصدر مجلس الدولة برئاسة الفقيه القانونى الدكتور عبدالرزاق السنهورى حكماً تاريخياً حينها عندما أكد أنه لا يوجد مانع شرعى ولا دستورى ولا قانونى يحول دون تولى المرأة القضاء تاركاً الأمر لإدارة العدالة وبحث لحظة الملاءمة لاختيار الوقت المناسب لاتخاذ القرار، وكان هذا الحكم فى القضية الشهيرة لأستاذتنا الدكتورة عائشة راتب عندما تقدمت لتعيينها فى منصب القاضى الإدارى، ومن ثم وبعد أكثر من 60 عاماً يرتد قضاة مجلس الدولة على كل ذلك.
فى رأيك ما هو سبب هذا الارتداد؟
- هناك حالة ارتداد فى المجتمع بكل فئاته الثقافية، وعودة إلى التشدد الدينى الخطير، وأحذر من هنا إذا لم يتكاتف الجميع يدا واحدة لتدعيم الدولة المدنية وبسرعة، فإن مصر ستشهد فوضى عارمة ،لأن ما حدث فى عمومية مجلس الدولة يمثل تجليات للأزمة الثقافية والمؤسسية فى المجتمع المصرى, والتى طالت دوائر كانت بعيدة عن تأثيراتها وإن ظل يحمل عبر التاريخ المشرف للقضاء المصرى عبء الدور المؤثر إيجابيا فى منظومة الجماعة الثقافية المصرية الداعمة للتقدم, والتى لا نتمنى لها مزيدا من الانفراط.
هل ترين وبوضوح أن القرار وراءه متشددون دينياً؟
- نعم بعض قضاة مجلس الدولة استعانوا بالنصوص والفتاوى الدينية المتشددة والتى تمنع تعيين المرأة قاضيا، متناسين أن المؤسسات الدينية الرسمية وهى الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية أصدروا فتوى قاطعة قالوا فيها لا يوجد مانع شرعى من تعيين المرأة قاضية، وفى ظل استشراء التعصب وتراجع الدور التنويرى للمجتمع، ارتدينا للوراء بما يفوق قرنا من الزمن، لأننا نحتفل بمرور 100 عام على انخراط المرأة فى حقل القانون.
بعض قضاة مجلس الدولة استعانوا بدراسة تفيد أن 60 % من الرجال يرفضون المثول أمام القاضيات؟
- غير حقيقى بالمرة أن أمتنع رجل واحد متهم فى قضية بعينها من المثول أمام القاضيات، بل إن تقارير الأداء عن القاضيات رائعة، وهى تقارير محايدة للغاية ولا يمكن لها أن تجامل أحدا، وأن هناك قاضيات تفوقن فى الأداء على زملائهن الرجال، فكيف يقال إن الرجال يرفضون المثول أمامهن؟ مع العلم أنه يوجد 42 قاضية اشتغلن فى جميع فروع القضاء المدنى والجنائى والمحاكم الاقتصادية ومحاكم الأسرة فى القاهرة والأقاليم وسط تعاون بناء من قضاة أجلاء, وترحيب من المحامين والمتقاضين وهو رد حاسم على ادعاء رفض المجتمع المصرى لممارسة المرأة لهذا الحق والذى لم يثبت دليل عليه فى الممارسة الفعلية طوال هذه السنوات, بما يؤكد أن المصريين لا يعنيهم جنس من يجلس على منصة القضاء رجلاً كان أو امرأة بقدر ما يعنيه الوصول لحقوقه وتحقيق العدالة له.
أحد قضاة مجلس الدولة وقف أثناء اجتماع الجمعية العمومية وقال أن تجربة تعيين تهانى الجبالى قاضية باءت بالفشل، وأنها لم تنظر قضية واحدة منذ تعيينها؟
- نعم قال ذلك بالفعل، وأرد عليه، بأن عليه أن يقرأ الجريدة الرسمية ويرى بنفسه أننى نظرت قضايا من عدمه، وأقول له أنا أشغل حالياً نائب رئيس المحكمة الدستورية وعملت مع فطاحل القانون، ويحملون لى كل التقدير والاحترام.
هل تعتقدين أن هناك مخططا من جهة بعينها يهدف إلى منع وصول المرأة إلى منصة القضاء فى ارتداد خطير للمجتمع؟
- نحن نعيش منظومة متكاملة والقضاء جزء منها، وأن هذه المنظومة طغى عليها التشدد الدينى والتعصب الأعمى، فى الوقت الذى خفتت فيه الأصوات التى تنادى بالتنوير، وإلا ما هو التفسير لقرار قضاة مجلس الدولة، المناقض لقرار مجلس القضاء الأعلى والذى قضى بفتح الأبواب أمام الإناث المؤهلات للعمل فى جميع الهيئات القضائية حسب ظروف كل منها حتى كانت النتيجة وجود42 قاضية على منصات القضاء منذ ثلاث سنوات، وأقولها إن المجتمع المصرى يقف أمام لحظات فارقة باحثا عن مرجعياته الدستورية والمؤسساتية, والتى ربما يكون فى صيانة أدوارها مفتاح الأمل فى المستقبل.
بعد قرار قضاة مجلس الدولة برفض تعيين المرأة قاضية، هل تلقيت اتصالات من مسئولين كبار يطالبونك باتخاذ تدابير معينة؟
- لم أتلق اتصالات من مسئولين، ولكن وصلتنى عشرات الرسائل والبرقيات من المصريين العاديين يشجبون القرار، وهو ما أسعدنى.
وهل أجريت أنت اتصالات بقيادات المجلس القومى للمرأة لبحث هذه القضية؟
- لم يحدث.
وما هو صدى القرار داخل أروقة المحكمة الدستورية؟
- الاندهاش الشديد.
الشىء بالشىء يذكر ما رأيك فى الجمعية التى شكلها البرادعى لتغيير الدستور؟
- من حق أى مصرى أن يطالب بتغيير الدستور، لكن أقولها كمتخصصة وليس بحكم منصبى، إن دستورنا لو عرف طريقه للتطبيق سيضاهى دساتير أعتى الدول الديمقراطية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة