شريف حافظ

تجارب ديمقراطية فاشلة

الجمعة، 05 مارس 2010 07:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجب ودون مواربة أن نؤكد على أن الوضع الحالى فى مصر، ليس بالوضع الجيد، على شتى المستويات، وعلى رأسه الوضع الاقتصادي، الذى يمكن لمثله أن يُلهب شتى الحركات الاحتجاجية والانقلابية على حدٍ سواء، فى الكثير من دول العالم.
إلا أننا ونحن نطمح فى غدٍ أفضل، يجب أيضاً، أن نتعلم مما هو محيط بنا من تجارب التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، علينا أن نتعلم مما هو حولنا، لأن الموضوع لا أعتقد أنه يمكن أن يكون على مستوى التجريب، إذا كان لنا أن نفكر فى مصير مصر، كدولة مدنية قائمة، لا نريد الإضرار بها، أكثر من الضرر الذى يمسها اليوم، إن التجريب، إنما يشمل التفاصيل الصغيرة وليس شكل الدولة المُزمع إقامتها يوماً ما.

لو أننا تكلمنا حول الديمقراطيات التى فشلت وفى النهاية تحولت إلى ديكتاتوريات، فإننا سنجد العديد من الأمثلة، أقرب تلك الأمثلة لنا، تتمثل فى تجربة السودان الشقيق، فكلنا يتذكر الانقلاب الشهير الذى قام به المشير عبد الرحمن سوار الذهب على حكم الرئيس الراحل جعفر النميرى، فى السودان فى 6 أبريل 1985، وقد كان رغم رفضنا ورفض العالم أجمع لأسلوب الانقلابات فى تغيير نظام الحُكم، مثال غريب عن العالم العربى، أن يقوم رجل عسكرى بانقلاب على السلطة القائمة، ويشكل مجلس انتقالى، لمدة عام، ثم يسلم السلطة إلى نظام سودانى وطنى منتخب، ويترك منصبه تماماً ويمضى إلى حال سبيله!!

وعندما أُجريت الانتخابات فى العام 1986، لم يحُز حزباً فى السودان على الأغلبية، مما أدى إلى قيام إئتلاف حكومى، هذا الإئتلاف، أدى إلى شلل سياسى، وتعاركت الأحزاب به، فيما بينها على أسس الأيديلوجية المختلفة.
لقد افتقد الإئتلاف للرؤية للخروج من المأزق السودانى وازدادت الصراعات، رغم أن الجميع، كان ضد الديكتاتورية السابقة التى كانت متمثلة فى الرئيس جعفر النميرى، ورُغم أن الناس كانت ترى فى رئيس الوزراء الصادق المهدى تاريخ من العمل الوطنى الرائع، إلا أن الرجل فشل فى قيادة السودانيين إلى بر الأمان، وأوجدت مشاكل جمة فى التجربة الديمقراطية السودانية، أدت من بين ما أدت إليه إلى أزمة اقتصادية طاحنة، وكانت توقعات الجماهير الغفيرة، أكبر من الممكن تحقيقه من قبل الحكومة.
كانت هناك حلول فى الأُفق للوصول إلى حل سلمى فى الحرب مع الجنوب، ولكن قادة التجربة الديمقراطية السودانية، لم يقوموا بما كان منوطاً بهم أن يفعلوه، نظراً لما كان من تأثير انتماءاتهم الأيديلوجية والعرقية فوق المصلحة السودانية الجمعاء.
وكان من ضمن الإئتلاف الحاكم أيضاً، من هم منتمين للجبهات الدينية، فلم يطرحوا حلولاً عصرية، كان بإمكانها أن تُخرج السودان من عثرته.

الغريب، أن الصادق المهدى، رئيس الوزراء السودانى وقتها، قال فى إحدى لقاءاته الشعبية، فى بدايات عام 1989، "إذا كنتم تتصورون، أن حُكمى هو الأسوأ، فلتنتظروا حتى تأتى الحكومة التى بعدى"!! لقد كان الانقلاب على الديمقراطية السودانية من قبل الرئيس عمر البشير، فى 30 يونيو 1989، هو تحول من الديمقراطية الفاشلة، إلى ديكتاتورية صريحة.
لقد عاد السودان إلى الديكتاتورية فى عام 1989 وكان قد انقلب عليها فى 1985!! فلم يكن هناك الإعداد الكافى لأن تصبح الديمقراطية راسخة فى وجدان السودان عندما قامت فى 1986.

ولم يكن هذا هو الانقلاب الأول على الديمقراطية فى السودان، ولكنه كان الانقلاب الثالث على ديمقراطيات سابقة، فلقد حدث فى السودان انقلاب عام 1958 من اللواء إبراهيم عبود على ديمقراطية ناشئة فى السودان كان يقودها السيد إسماعيل الأزهرى.
كما حدث انقلاب جعفر النميرى فى سنة 1969 على ديمقراطية أخرى كان يديرها السيد محمد أحمد محجوب، وهكذا فإن تاريخ السودان، حافل بالانقلاب على الديمقراطية من وقت لآخر بسبب عدم قدراتها على حل المشاكل التى تعانى منها البلاد، ورغم استياء الناس من الديكتاتوريات السابقة عليها ثم استياء الناس من الشلل الذى كانت تعانى منه تلك الديمقراطيات.

لقد حدث انقلاب أيضاً فى موريتانيا على تجربة انتخابية ديمقراطية، رغم استهجان الناس من التجارب الديكتاتورية السابقة ولكن ضعف التجربة الديمقراطية، هو الذى مكن من تقبل الانقلابات، وحتى بالنسبة لمن لا يتقبلها، فإن الفعل يصبح صعباً فى ظل حكومة عسكرية تحكم بالحديد والنار، فلقد انقلب العسكر فى أغسطس 2008، على التجربة الديمقراطية الوليدة التى كانت قد بدأت فى أغسطس 2005، بانقلاب أيضاً!! وكأن الانقلابات العسكرية، هى التى تأتى بالحكم الديمقراطى فى العالم العربى، وهى أيضاً التى تقضى عليه!

وبالطبع فإن الانقلاب على تجربة الحكومة المنتخبة للدكتور محمد مصدق، هو الأشهر فى منطقة الشرق الأوسط، حيث كان الانقلاب الذى قادته الولايات المتحدة لصالح حكم الشاه، بعدما أمم مصدق مصالح غربية تمثل القوة فى تلك المنطقة، وهو الأمر الذى يبدو مهما فى المنطقة، عندما تريد حكومات جديدة أن تؤكد على النزعة الوطنية أو الاشتراكية فى سياستها، ضد مصالح كان يجب أن يُحسب حسابها!!

وقد شهدت الأيام الماضية محاولة انقلابية ضد النظام العلمانى التركى، بقيادة الرئيس عبد الله غول ورئيس وزراءه رجب طيب أردوغان، ففشل الانقلاب تماماً، لأن الديمقراطية التركية اكتسبت قوة عبر الزمن وبالتجربة، وأصبحت العلمانية فيها راسخة القدم تماما وإن حكم المتدينين فى ظل دستور يحمل الصفة المدنية فى جميع مواده!! هذا، رغم أن الجيش التركى، قد قاد انقلابات ناجحة فيما سبق فى السنوات 1960 و1971 و1980 و1997، إلا أن التطور الذى تحلت به الديمقراطية التركية، هو ما حماها فى تلك المرة الأخيرة من الإتقلاب، لأنها لم تعد هشة أمام من لا يرضى ببما تتحلى به من تقبل لكل التيارات دون إقصاء لأحد.

لقد تعرضت دول شرق أوروبا أيضاً إلى أزمات اقتصادية هزتها هزاً، فى أواسط التسعينات من القرن المنصرم، وكانت الديمقراطية فيها مُعرضة للشرخ وللتعدى عليها من قبل القوى العسكرية بها، ولكن التدخل من قبل الغرب بتمويلات قوية، مكن من صمود الديمقراطية حيال ما يمكن أن يحدث من انقلابات.

إن كانت الديكتاتورية سيئة، فإن الديمقراطية يمكنها فى بداية سنوات أو ربما عقود تطبيقها، ورغم الانتخابات، أن تكون ضعيفة، نتيجة لعدم الوعى بها، والرغبة المجردة فيها دون استيعاب شعبى لها، مما يؤدى إلى وجود فجوة فى السلطة، ممكن أن ينفذ من خلالها العسكر لينقلبوا عليها، ظناً منهم أنهم يعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح، وربما يقيموا مكانها حُكما دينيا، كالذى تمسحت فيه السودان، فأودى بها إلى الكثير من المصائب، التى نرى الكثير منها ماثل للعيان اليوم، ومنها أنها استضافت أسامة بن لادن فى فترة من الفترات وكان رد الفعل الأمريكى عنيفاً.

إن التوعية، هى مرحلة العصر الذى نعيشه فى مصر اليوم، وأتصور قدوم ديمقراطية حقيقية باستيعاب شعبى يصل إلى نسبة 60 % بعد فترة أخرى من الرئاسة، إذا ما دفعنا بوتيرة أكبر بعملية التوعية الحالية، لكى تتسارع ويصل العلم بالديمقراطية إلى مستحقيه من المواطنين، أما أن نبدأ من اليوم فى الديمقراطية والتغييرات الكبيرة، فأعتقد أن ذلك سابق لأوانه، ليس بناء على ما أراه أنا شخصياً ولكن بناء على الثقافة الشعبية التى لا تقبل الآخر أياً كان، وفى أى مجال، سواء كنا نتكلم عن السياسة أو الثقافة أو الدين أو كرة القدم والرياضة بصفة عامة.
إن الذى سيحدد ما إذا كانت الديمقراطية يمكنها أن تطبق فى مصر أم لا، لن يكون النظام السياسى فى مصر ولا المعارضة له، ولكن الشعب المصرى نفسه، لأن الشعوب هى التى تحدد مصائر الأوطان، متى وصلت إلى الإيمان الحقيقى بالتغيير وقبول الآخر، وليس فقط أقلية مثقفة، تعيش فى أبراج عالية، وتظن أن التغيير واجباً!

* أستاذ علوم سياسية








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة