براء الخطيب

البرادعى .. المخلِّص!!

الجمعة، 05 مارس 2010 07:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قلنا سابقا إن الدكتور "البرادعى" لم يعمل بالسياسة داخل مصر فى أى يوم من الأيام سواء معارضا أو مواليا للنظام الاستبدادى الحاكم فى مصر، وقلنا إن ذلك يجعله غير ملم بطبيعة النظام الحاكم وكذلك تركيبة المعارضة المصرية وتكويناتها وتوجهاتها السياسية غير المعلنة لكنها تكشف عن نفسها دائما عبر مواقف عملية شبه يومية تتأرجح دائما بين الانتهازية والنصب السياسى بل إنها كثيرا- إن لم يكن دائما- تعطى النظام الحاكم مبررا لاستشراسه بالرغم من نجاح النظام الحاكم فى اتخاذ مواقف أكثر نعومة ظاهريا على الأقل فى مواجهته لغضب الشعب واختلافه مع النظام الحاكم فى كل قضايا الوطن، ونجح النظام الحاكم فى ارتداء قناع مغلف بشكل من أشكال الديمقراطية للقضاء على أية معارضة حقيقية تنبت بين الحين والآخر فى جنبات هذا الوطن، ومع ذلك وبالرغم من ذلك بدا الدكتور "البرادعى" فى صورة نقية خالية من كل سوءات "المعارضة المصرية المعروفة" فتلقفت بعض فئات الشعب المصرى صورته بصفته "المخلِّص المنتظر" بالرغم من رفض الدكتور "البرادعى" لفكرة كونه "المخلِّص المنتظر" فعبر محطة "دريم" الفضائية صرح "البرادعى" بأنه ضد فكرة "المخلِّص" بل إنه أكد على عدم وجود مثل هذا "المخلِّص" بالرغم من أن "البرادعى" يحمل- كما يبدو من كل تصريحاته على الأقل- كل الصفات التى يحملها "المخلص التقليدى" فى ذاكرة الشعوب المغلوبة على أمرها.

الدكتور "البرادعى" لم يلوث صورته فى ذهن من أحبوه دون معرفة حقيقية به بأية مواقف مهادنة للنظام الحاكم كما أنه لم يلوث صورته بالتعاون مع أية قوة خارجية خارج حدود الوطن مثل بعض "أقطاب المعارضة" المشتاقين لكرسى الرئاسة بالتعاون مع "الأمريكى القبيح الوجه" مثلما فعل غيره، ولم يظهر فى صورة من يستمد قوته وسبب وجوده من المخابرات الأمريكية الـ"C.I.A" كما فعل غيره، كما أنه لم يأت فى ظل مدفع رشاش وارد "حزب الله" أو مهرّب عبر أنفاق غزة ومختوما بخاتم "حماس" كما فعل غيره، كما أنه لم يأت بمعاونة "الموساد" الإسرائيلى أو بمباركة إسرائيل أو مسلحا بدكتوراه فخرية من جامعة "تل أبيب"، فالرجل جاء بعد إدارته الناجحة لأكبر وأخطر مؤسسة عالمية للطاقة الذرية "عفريت القرن الواحد والعشرين" وبعد أن شهد له العالم أجمع فى تصديه لجبروت "الأمريكى القبيح الوجه" رافضا منحه المبرر اللازم لشرعية احتلال العراق أو حتى إدانة "إيران" وهو نفس الجبروت الذى أخضع "كوفى عنان" رئيس هيئة الأمم المتحدة وأدخله المنطقة المظلمة فى تاريخ العالم فى العصر الحديث.

جاء "البرادعى" حاملا معه كل صفات "المخلص النموذجى" بملامحه المصرية الصميمة، فلو ارتدى الرجل "الجلابية البلدى" والطاقية ولف "اللاسة" على رقبته وسار فى شوارع القاهرة فلن يفرقه أحد عن أى مواطن مصرى جاء من قلب الصعيد أو من أطراف الدلتا للعلاج من البلهاريسيا فى مستشفى القصر العينى الفرنساوى، بالإضافة إلى ملامحه الطيبة فقد حمل معه براءة سياسية ونوايا طيبة فى التغيير لا يحملها إلا "المخلِّصون".

الرجل الذى أدار إدارة أكبر وأخطر مؤسسة فى العالم لن يعجز عن إدارة نظام يحكم مصر، لكنه ككل "المخلِّصين" لا يعرف أن جماعته هم الذين سوف يخذلونه كما خذل بعض الحواريين المسيح ولا يعرف أن درجة الخذلان هذه قد تدفع بعض من جاء ليخلصهم إلى أن يحرقوه كما أحرقوا جان دارك، وجماعة "البرادعى" التى اختارها لنفسه كحواريين سوف يسلمونه للسلطان كما سلموا من سبقه كى يحصلوا على نسبة من مقاعد البرلمان وبالتأكيد فإن أحدا من الشعب المصرى لن يحرق "البرادعى" كما أحرق الفرنسيون "جان دارك" لكن الظروف الاجتماعية والحياتية والقمعية واللاديمقراطى والاستبدادية سوف تحرق سريعا "صورة المخلِّص" للحصول على رغيف الخبز وكوب الحليب ومقعد على كرسى الدراسة فى مدرسة بائسة لأطفالها، لابد أولا لـ"المخلِّص" أى "مخلص" من تغيير الظروف التى تحيط بمن أتى ليخلصهم، لابد من تغيير وجوه المعارضة، لابد من تغيير القوانين الجائرة، لابد من تغيير منبع هذه القوانين الجائرة وهو الدستور، لابد من تغيير يشمل إعطاء البشر الأمان على مستقبل أبنائهم فى الحصول على رغيف الخبز وكوب الحليب ومقعد فى مدرسة ليست بائسة، لابد لـ"المخلِّص المنتظر" من تغيير شروط معيشة البشر الذين انفرد بهم نظام حكم لمدة تزيد على الثلاثة عقود.
لقد أدار "البرادعى" معركته مع "أمريكا" ببراعة لم تفقده شرفه وإن كانت توابعها قد أفقدته وظيفته، لقد أتى "البرادعى" محملا بكل النوايا الطيبة وحاملا كل الصفات التى ميزت كل "المخلِّصين" لكن ها هو يبتلع الطعم من حوارييه الجدد وبدأ يتحدث عن "الثورة الشعبية" و"الغضب الشعبى" بنفس الطريقة التى كانوا يتحدثون بها فيا ليته يسرع بتدارك الأمر حتى لا يلحقه مصير كل "المخلِّصين" الذين قتلتهم البراءة وطيب النوايا ورغبتهم الغامرة فى إنقاذ البشر بدون دراية حقيقية بنوعية الحواريين أو حتى بمقدرة وطريقة البشر الذين جاء ليخلصهم، لاسيما وهم ينتظرون "المخلِّص" منذ سنوات.
* كاتب وروائى مصرى









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة