تتباهى إيران دائما أمام الدول العربية بديمقراطيتها، متجاهلة أن أبسط قواعد الديمقراطية هى حرية الشعب فى اختيار من يحكمه، وهذه القاعدة البسيطة تتعارض مع الدستور الإيرانى الذى ينص على أن المرشد هو أعلى سلطة فى إيران، وله السيادة المطلقة سياسيا ودينيا، وهذا المرشد يظل فى منصبه إلى أن يتوفاه الله، أو يعزله مجلس الخبراء بسبب فقدان الأهلية أو عجزه عن آداء مهامه، وهو أمر غير متحقق من الناحية العملية، بل تثبت الوقائع عكس ذلك، ففى المرة الوحيدة التى حاول فيها رفسنجانى رئيس مجلس الخبراء العمل على تمهيد لعزل المرشد بسبب فقدانه للعدالة، انقلب الموقف رأسا على عقب، وأصبح هو مهددا بالعزل من قبل مجلس الخبراء، ما اضطره أن يعود أدراجه ويراجع حساباته ويعلن تأييده المطلق للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامئنى ويدافع عنه وعن نظام المؤسسة الدينية الحاكمة الذى يمنح خامنئى السلطة المطلقة فى البلاد بصفته الفقيه الأعلى والذى يستطيع أن يعزل الرئيس من منصبه، مما يجعل من منصب الرئاسة منصبا تشريفيا يزيد من التعمية الإعلامية المضللة والموهومة بأن إيران دولة ديمقراطية.
النقطة الثانية والتى تزيد من اتساع المسافة بين الديمقرطية الفارسية والديمقراطية الحقيقية هى مسألة الترشح لمنصب الرئاسة، وهى مسألة معقدة تخضع للعديد من الحسابات والتصفيات ويستطيع المرشد الأعلى عن طريق مصلحة النظام أن يصادر حق كل مواطن إيرانى فى الترشح لمنصب الرئاسة ما يفضى فى نهاية الأمر إلى استبعاد كل من لا يخضع للشروط الموضوعة من قبل السلطة الدينية، وحتى إن أفلح شخص ما فى الاقتراب من كرسى الرئاسة فمن السهل جدا قلب الموازيين من قبل المرشد الأعلى كما حدث فى الانتخابات الفارسية الأخيرة، عندما أصبح موسوى قاب قوسين من كرسى الرئاسة.
ففى الثانى عشر من يونيو من العام الجارى وبعد ساعة من انتهاء الاقتراع، استدعت وزارة الداخلية مساعدى موسوى للإعلام بالفوز فى الانتخابات والإدلاء بخطاب بهذه المناسبة.. ثم فجأة احتل الحرس الثورى مقر حملة موسوى، وأعلن بعدها أن نتائج الانتخابات مزورة.. غير مبالية بالإجابة عن أسئلة واستفسارات المتابعين والمراقبين للحملة الانتخابية الفارسية حول الكيفية التى تم بها التزوير!!
فقد جرت العادة فى دول الشرق الأوسط أن الانتخابات تزور من جهة الحكومة التى تمتلك آليات تمكنها من هذا الفعل، وليس من جهة المعارضة التى لم تصل إلى كرسى السلطة بعد.
المهم أن وصول موسوى إلى كرسى الرئاسة كان أمرا مستحيلا بسبب توجهاته الإصلاحية التى ستعمل على تحجيم نفوذ السلطة الدينية، مما جعل خامئنى يسارع إلى تلك الخطوة التى ما زالت تثير غضب الشعب الإيرانى حتى الآن، وكل ذلك تم تحت ستار الديمقراطية التى يتباهى بها المرشد الأعلى، فهى ديمقراطية تضمن له الاستمرار فى الحكم الفعلى بالإضافة إلى استمرارية الصلاحيات الواسعة التى يملكها ومنها على سبيل المثال: إقالة رئيس الدولة من منصبه، إقرار ومراقبة وتنفيذ السياسات العامة للدولة، المصادقة على مرسوم الانتخابات الرئاسية وعلى استكمال مرشحى الرئاسة للصفات المذكورة فى الدستور، تعيين رئيس أركان الجيش، تعيين قائد قوات حرس الثورة الإسلامية وجميع قادة أسلحة الجيش، بالإضافة إلى تعيين وإقالة: مدير الإذاعة والتلفزيون، رئيس الهيئة القضائية، فقهاء مجلس الأوصياء.
كل هذه الصلاحيات فى يد شخص واحد لا يتم انتخابه من قبل الشعب!!
فعن أى ديمقراطية يتحدثون؟!
