أسرار جديدة عن حرب الاستنزاف.. عبد الناصر قال لمحمد حسن الزيات: سأعترف بإسرائيل لو أعادت القدس

الجمعة، 05 مارس 2010 12:58 ص
أسرار جديدة عن حرب الاستنزاف.. عبد الناصر قال لمحمد حسن الزيات: سأعترف بإسرائيل لو أعادت القدس جمال عبدالناصر
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مقدمة كتاب الراحل الكبير محمود عوض «اليوم السابع.. الحرب المستحيلة.. حرب الاستنزاف»، والذى يصدر هذه الأيام وبعد نحو 5 شهور من رحيل عوض، عبارة بالغة الدلالة وفور الانتهاء من قراءة الكتاب سنكتشف أننا مطالبون جميعا بإعادة التفكير فى الكثير والكثير.. العبارة تقول: «أزعم أن الحقائق الجديدة التى سيكشف عنها هذا الكتاب إذا صدقت النوايا أن تؤدى إلى إعادة النظر فى كثير من المفاهيم السائدة طوال السنوات الأخيرة».

يحتوى الكتاب على معلومات هامة ودقيقة ووثائق جديدة عن فترة حرب الاستنزاف التى بدأت بعد نكسة 5 يونيو 1967 واستمرت حتى أغسطس عام 1970، وجميعها تؤكد أن هذه الحرب أوقفت خطة أمريكا وإسرائيل فى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وكانت الخطة فى مذكرة سرية أصبحت موجودة على مكتب الرئيس الأمريكى جونسون منذ السابع من يونيو 1967؟»، وذلك بتنفيذ خطة قتل «الديك الرومى»، وكان جمال عبدالناصر هو «الديك الرومى».

فى قراءة الكتاب هناك ما يلفت النظر مثلاً فيما يتعلق بسؤال: «هل كانت هناك ديمقراطية فى تناول الصراع مع إسرائيل من زاوية وجود أصوات لا توافق على أن يكون نصيب مصر هو الأكبر فى تحمل عبء الصراع؟»، وتأتى الإجابة من اجتماع مغلق ترأسه عبدالناصر يوم 6 نوفمبر 1968 لأعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وكانت نصوصه تعتبر سرية للغاية، وفى هذا الاجتماع ثارت مناقشة هامة حينما علق العضو أحمد العماوى (وزير القوى العاملة السابق) على معنى التزام مصر الأخلاقى برفض الحل المنفرد والارتباط بالتسوية الشاملة القائمة على انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضى العربية المحتلة وبحقوق الفلسطينيين.. قال العماوى: «الدول العربية تحملنا عبء قضية فلسطين بالكامل، وإنى أرى أنه يجب أن تتحمل نصيبها أيضاً، لأن ما نشعر به أن الدول العربية كلها تلقى العبء على كاهل الشعب المصرى، ونحن بدورنا نتحمل كافة التضحيات».

ورد جمال عبدالناصر بقوله: «فى الحقيقة أنا أعتقد أن هذا الدور هو قدرنا لعدة أسباب، لأن مصر هى أكبر دولة عربية».

هناك أيضاً فى قراءة الكتاب ما يمكن أن يثير الجدل فيما يتعلق برأى البعض أن قبول عبدالناصر لمبادرة روجرز عام 1970 كانت بمثابة اعتراف بإسرائيل، وذلك بالرغم من حشد عوض للدلائل التى تؤكد أن قبول عبدالناصر للمبادرة كان بمثابة هدنة استعداداً للمعركة الكبرى ضد إسرائيل ويأتى الكتاب بحوار بالغ الدلالة بين عبدالناصر والدكتور محمد حسن الزيات مندوب مصر وقتئذ فى الأمم المتحدة والذى تم اختياره أيضا مبعوثا لمصر فى مبادرة روجرز وجرى اجتماعه مع عبدالناصر بشأن هذه المهمة.

يقول الدكتور الزيات: إننى لم أكن فى أى وقت من المقربين إلى الرئيس جمال عبدالناصر، ولا ضمن دائرة مستشاريه وكبار مساعديه، ومع ذلك فإننى أدركت يومها مبلغ الصدق والجدية والتصميم الفولاذى الذى يتحدث به عبدالناصر عن احتمالات المستقبل، إن الرئيس كان ودوداً ومجاملاً إلى أبعد حد، بحيث إنه حينما رأى أن سجائرى نفدت، ذهب إلى الداخل وأتى لى بعلبة سجائر سرعان ما بدأت أنفث دخانها سيجارة بعد سيجارة، ولم أنتبه إلا فيما بعد، لحقيقة أن الرئيس نفسه ممنوع من التدخين حسب أوامر الأطباء منذ مدة.

يضيف عوض: «شرح الرئيس عبدالناصر للدكتور الزيات تصوره لأبعاد مبادرة روجرز الكاملة من الناحية السياسية، فهى تعنى انسحاب إسرائيل الكامل من كل شبر فى سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس العربية، وهى تعنى أيضاً حق الفلسطينيين فى العودة أو التعويض طبقا لقرارات الأمم المتحدة.

ثم قال عبدالناصر للزيات: إننى واثق تماماً، ومقدماً، من أنك ستقوم بمهمة التباحث مع يارنغ على أحسن وجه، وأنا واثق أيضاً من أنك الرجل المناسب لهذه المهمة الدقيقة، ولكن.. دعنى أصارحك من الآن.. لا تفاجأ بعد هذا كله بأنك لن تصل إلى شىء.. فالذى سيرغم إسرائيل على الإذعان فى النهاية هو قواتنا العسكرية وحدها، ولا شىء آخر».

رد الزيات: «سيادة الرئيس.. إننى سأكون فى نيويورك.. ولن أستطيع استشارة القاهرة مسبقا فى كل صغيرة وكبيرة مما يحتمل أن يدور فى المباحثات حينما تبدأ.. فأنا لا أستطيع العمل بالريموت كونترول.. ولذلك اسمح لى أن أطرح عليك سؤالا صريحا، أرجو أن أعرف منك إجابته الآن، ليس لأننى سأذهب فى أول جلسة مباحثات مع يارنغ وأقول: هذا هو موقف مصر.. ولكن فقط لكى أعرف كمفاوض هناك.. ما الذى يرضيك هنا..
وسكت الدكتور الزيات برهة قبل أن يصوغ سؤاله على النحو التالى: سيادة الرئيس.. ما هو الحد الأدنى الذى لن يرضيك ما هو أقل منه؟.
وقال له جمال عبدالناصر: القدس، وحقوق الشعب الفلسطينى، هذا هو حدنا الأدنى. وطبقاً لانطباع الدكتور الزيات، فإن تلك الكلمات خرجت من فم عبدالناصر وهى تحمل أقصى درجة من الهدوء.. والإرادة الفولاذية.
وهنا سأله الدكتور الزيات: فى هذه الحالة.. هل ستوافق على الاعتراف بإسرائيل فى شكل وثيقة تودعها بالأمم المتحدة؟
قال عبدالناصر: نعم.
ويضيف عوض: فيما بعد، قال لى الدكتور محمد حسن الزيات: طوال عودتى فى الطريق بعدها كنت أتأمل هذا الحوار، وأدركت أن سؤالى عن الاعتراف بإسرائيل كان تحصيل حاصل.. وإجابة الرئيس جمال عبدالناصر على سؤالى كانت تمثل بعد نظر، ورؤية عميقة، من جانبه، فإذا وصلنا إلى استرداد الضفة الغربية، والقدس، فضلا عن سيناء وقطاع غزة بالطبع، وكذلك الجولان.. وإذا وصلنا إلى إذعان إسرائيل لحق الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم فيما قبل سنة 1948 (وهو أقصى ما كان يحلم به الفلسطينيون حينئذ).. فإن ورقة اعتراف بإسرائيل، نودعها فى سجلات الأمم المتحدة، سوف تكون تحصيل حاصل.

وأضاف الدكتور الزيات لمحموض عوض مبتسما: فى الواقع إنه بتلك الإجابة من الرئيس جمال عبدالناصر تبخرت من ذهنى عشرات الأسئلة التى كنت قد رتبتها فى عقلى، فبإجابته تلك اختصر الرئيس كل الأسئلة وحدد محطة الوصول. لكنى أيضا خرجت بنتيجة أخرى وهى أن الرئيس عبدالناصر لا يضع تفكيره مطلقا فى هذه المبادرة، فتفكيره كله فى القوات المسلحة وفى تحرير الأرض بالقوة وليس بفصاحة الدبلوماسيين من أمثالى».

يعلق عوض: لم يكن اجتماع جمال عبدالناصر بالدكتور محمد حسن الزيات سوى جزء من سلسلة اجتماعات هامة عقدها عبدالناصر فى تلك الفترة لمراجعة الخطوة القادمة بعد قبول «مبادرة روجرز». وكان واضحا تماما أن أهم ما يشغل بال عبدالناصر هو الخطط العسكرية المقررة، وهكذا عقد سلسلة اجتماعات مع الفريق محمد فوزى وزير الحربية لمناقشة الخطة «جرانيت» التى تقضى فى مرحلتها الأولى بعبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس والتقدم شرقاً فى سيناء للاستيلاء على المضايق على مسافة 40 أو 50 كيلو متراً من قناة السويس، حيث تمثل تلك المضايق نقطة التحكم الاستراتيجية فى سيناء كلها.

وطبقاً لما هو مقرر فى الخطة، فإن هذا الهجوم العسكرى المصرى الشامل سيتم تنفيذه فى مارس أبريل 1971.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة