كشفت الأسابيع الأولى للدكتور أحمد زكى بدر فى مقعد وزير التربية والتعليم أن الحكومة ضمَّت وزيراً «مركزياً» إلى تشكيلها «الإلكترونى» الذى يعتنق اللامركزية منهجاً فى إدارة شئونها.. وتبدو تلك السياسة المركزية - غير المعلنة - التى بدأ «بدر» فى ترسيخها داخل ديوان وزارة التربية والتعليم والقطاعات التابعة واضحة من شواهد عدة..
فعلى عكس سلفه الدكتور يسرى الجمل، الذى طبق مبادئ اللامركزية فى وزارة اكتشف أنها مترامية الأطراف متعددة القطاعات ينوء رجل واحد بحملها، بدأ «بدر»، بعد أيام عشرة فى منصبه الجديد، بالسير فى الاتجاه المعاكس مصدراً قراره بإحالة 3 مسئولين ومعلم بإدارة 6 أكتوبر التعليمية إلى النيابة الإدارية بعدما تحقق من تسببهم فى وقوع أخطاء بامتحانات نصف العام أدت إلى عدم تكافؤ الفرص بين الممتحنين.. هذه واحدة ثم توالت بعدها المؤشرات التى تعكس التوجه المركزى لـ«بدر»، أبرزها تدخله لتعديل نتائج اختبارات كادر المعلمين لعيوب فى رصد الدرجات، وحرصه على الإشراف بنفسه على عمليات تسليم الكتب الدراسية إلى المدارس بالمحافظات، تلا ذلك زيارة مفاجئة للمدرسة التى شهِدَت واقعة الاعتداء البدنى على طالب مصاب بسرطان الدم..
ثم ظهر الدليل الأكثر وضوحاً على تحوله نحو أسلوب فى الإدارة - تجاوزته حكومة نظيف - يعتمد على المركزية وجمع أكبر عدد من الصلاحيات فى يد المسئول الأول، وهو منعه مسئولى الوزارة وقياداتها من الظهور فى وسائل الإعلام للإدلاء بأى معلومات تتعلق بسير دولاب العمل داخل «التعليم»، بما يعنى أن »بدر«، وبعد 60 يوماً من التواجد بقصر الأميرة فائقة مقر مكتبه الجديد، صار المسئول الأوحد الذى يملك حق إطلاع الرأى العام على ما يجرى داخل وزارة تتعلق بسياساتها مصائر 16 مليون طالب ومليون ونصف معلم ونصف مليون إدارى، هكذا دون متحدث رسمى أو مستشار إعلامى أو مسئول اتصال جماهيرى.
وينقسم العالمون ببواطن الأمور داخل ديوان «التعليم»، والذين عاصروا عدة وزراء قبل الوزير الجديد، فى تفسيرهم لسياسات «بدر» المركزية إلى فريقين.. الأول يرى أن الرجل ذو طبيعة خاصة، يملك من القدرات الإدارية والتحمل الذهنى ما يجعله قادراً على تولى مسئولية أكثر من وزارة فى آن واحد دون شكوى من تشعب المهام أو ملل من الخوض فى التفاصيل الصغيرة، يساعده على ذلك صغر سنه وحالة نشاط زائدة تسيطر عليه.
والقائلون بهذا التحليل لشخصية «بدر» يؤكدون أنه يقترب بهذه الصفات من الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية والتعليم الأسبق، الذى كان يمتلك قدرات تنظيمية فائقة.. إلا أنهم فى الوقت ذاته يؤكدون أن الأخير أسرَّ للمقربين منه بأنه اقتنع، فى أيامه الأخيرة، بوجوب تطبيق اللامركزية فى الوزارة وتوزيع السلطات على من هم أدنى من الوزير لمنحهم القدرة على اتخاذ القرار، على أن يتفرغ هو للتخطيط ورسم سياسات التطوير دون انغماس فى خطوات التنفيذ.
غير أن فريقاً آخر يُرجع تلك الطبيعة إلى قناعة لدى الدكتور أحمد زكى بدر بأن المركزية هى الحل الأمثل للقضاء على «الفساد المالى والإدارى» ومنع انتشاره داخل قطاعات الوزارة، انطلاقا من قاعدة مفادها أن موظف الحكومة يعمل بكفاءة تحت قيادة وزير مركزى يطلع على كل كبيرة وصغيرة داخل الوزارة.
ويعتقد أصحاب تلك الرؤية بأن «بدر» يرفع «المركزية» شعاراً لأشهره الأولى بـ«التربية والتعليم» لأن التقارير التى تلقاها من جهات رقابية عن أداء الوزارة فور تسميته وزيراً - ليست فى صالح مسئوليها، إلا أنه، وبحسب رأيهم، سيتخفف من قيود «المركزية» تدريجياً ولكن بعد تحقق أمرين، أولهما القضاء على أى منبع للفساد، أما الثانى فهو توفُّر قيادات شابة تحظى بثقته، التى لا يمنحها بسهولة لمن يعملون حوله، وتدفعه لمنحها بعضاً من صلاحياته، ويجزم هذا الفريق، الذى يُشبِّه «بدر» بوزير التعليم الأسبق د. أحمد جمال الدين موسى، بأن أساليب «الحزم» و«الشدة» التى يستخدمها الوزير الجديد فى عمله ستُعجِّل بتحقق هذين الأمرين، وستقضى على ما سموه بـ«الترهل» الذى ساد الوزارة فى عهد الوزير اللامركزى يسرى الجمل.
غير أن جناحا ثالثا داخل الوزارة يبدى مخاوفه من أن تؤدى «مركزية بدر» إلى الإبطاء فى تطبيق خطتين وضع «الجمل» خطوطهما العريضة بمساعدة من الدكتور حسن البيلاوى مستشاره للتخطيط الاستراتيجى، الأولى خطة بدأ تطبيقها بالفعل فى 3 محافظات، الإسماعيلية والأقصر والفيوم، وهى «تعميم اللامركزية الإدارية والمالية» على جميع المديريات التعليمية، إذ يتناقض جوهرها مع التوجهات البادية للوزير الحالى.
أما الثانية فهى خطة إعادة هيكلة ديوان الوزارة وقطاعاته التابعة تدريجياً خلال فترة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7، بهدف تقليص عدد القطاعات الرئيسية بها من 7 إلى 2 فقط، والإدارات المركزية من 19 إلى 13 والعامة من 70 إلى 27 إدارة، ولا تبدى مصادر مطلعة تفاؤلها من إمكانية تحقيق تلك الخطة خلال السنوات المحددة لتنفيذها، لأن هذا يعنى أن «بدر» سيمنح عدداً من سلطاته لمن هم دونه، وهو ما لا تشير المعطيات الحالية إلى قرب حدوثه.