جلس زكى حزينا لا يدرى ماذا يفعل فقد تخرج منذ سنوات وحاول أن يجد لنفسه عملا فلم يجد وأوصى والده جميع معارفه أن يجدوا له عملا... أى شغلانة للولد ربنا يخليكم وكلما تراه أمه تدعى الله له أن يوفقه لشغلانة وتبكى، ومرت سنوات مات والده وتبعته أمه بعد فترة وجيزة وجلس لا يدرى ماذا يفعل وفجأة سمع من ينادى عليه من الشارع يا قدرة يا زكى يا قدرة..
وكان هذا هو الاسم الذى أطلقه عليه زملاؤه ورفاقه لأنه كان دائما مطيعا ويسمع الكلام ولا يعارض أبدا (وزكى قدرة لمن لا يعرفه شخصية مثلها رحمة الله عليه عادل أدهم وأصبح كثيرا من الناس يطلقونها لمن يؤمر فيطيع) يا قدرة انزلى تحت.. أنا لقيتلك شغلانة ميه ميه عامل فى كافتيريا شيك ومحترمة ولم يعترض فقد باع الدهب والنحاس وبدأ يبيع عفش البيت ومبقاش إلا تفكيك مواسير السباكة وبلاط الشقة..
قال لنفسه قهوجى قهوجى وبدأ العمل من العصر حتى الثالثة صباحًا وبعد عدة أيام من استلامه العمل طلب أحد الزبائن شيشة تفاح وكان ضخم الجثة يرتدى جنزيرا من الذهب فى رقبته، وجاء قدرة بالمطلوب ووجد الرجل يصيح فيه أنت يا حمار جايبلى الولعة طافية.. الله يخرب بيت اللى مشغلك.. فصعبت نفس قدرة عليه... ماتشتمنيش دنا ابن ناس وخريج تجارة وهنا تحول الرجل الذى كانت ضحكاته مجلجلة لوحش كاسر... أنت بترد عليا يا حمار وقام بضربه على وجهه مع تعالى أصوات الحاضرين معلشى ياباشا أقعد ماتعكرشى دمك علشان واحد زى ده وحضر زملاؤه وحملوه لداخل الكافتيريا وهو لا يقوى على السير وجاء صاحب الكافتيريا مهرولا وهو يصيح ازاى ترد على سعادة الباشا أنت مش عارف هو مين أنا غلطان أنى أشغل أمثالك يا لا بره ماشوفش وشك هنا تانى..
رجع لبيته وهو مثل كوب من الزجاح تكسر لآلاف القطع وجلس ومرت حياته أمام عينيه كشريط فبدأ يكلم نفسه.. أنا عملت أيه غلط قالوا لى أدخل المدرسة دخلت ذاكر يا قدرة ذاكرت أدخل ياقدرة الكلية اللى مكتب التنسيق يدخلهالك دخلت... اتخرج اتخرجت ... طيب فين أشتغل ... أنا دايما أسمع الكلام زى ماعلمونى أشمعنى فى دى وقفوا... طيب أعيش أزاى... فرش قدرة فى الأرض وتمدد ... سمع هاتفا يناديه هاجر يازكى ياقدرة بلاد الله واسعة...
لم هدومه ووضع الشنطة فوق التاكسى وجلس بجوار السائق وفجأة انطلق صوت الكاسيت وأحداهن تغنى يا ابن بلدى ليه تهجر بلدك ليه... ليه ليه... هاجر قدرة وفتح الله عليه وبعد سنوات اشتاق لوطنه فركب عبارة فى طريق عودته لأرض الوطن وفجأة علا صوت الصراخ والعويل ووجد قدرة نفسه يصارع الأمواج ويغرق ويصيح ويصرخ حد يلحقنى ياناس أنا مبعرفش أعوم ولامن مجيب ... مات وجثته طافية ممدة الأيدى والأرجل فى وضعه الاستسلامى الذى تعود عليه... صحى زكى قدرة مفزوعا ... فوجد نفسه مازال مفترشا الأرض!!!؟؟
جلس ملتزمًا بيته لا يغادره لأيام لا يعرف عددها نبتت فيها لحيته وفى يوم اشتاقت نفسه للخروج وشم الهواء فارتدى ملابسه وخرج وهو يتحسس جيبه وفيه آخر ثلاثة جنيهات.. فوجد زحاما وسأل هو فيه أيه أجابه أحدهم أنت مش عايش فى الدنيا...النهارده الانتخابات ...
صوتك أمانة فلا تبخل به انطلق من الراديو من كشك للسجائر... ووجد قدمه تقوده إلى لجنة الانتخابات فى المدرسة التى خلف منزله فى الشارع العمومى فوجد عشرات من عربات الأمن المركزى وآلاف من الجنود وفجأة وجد أناسا يجرون وآخرين يصيحون فتملكه الخوف وجرى والتفت فوجد نفسه أمام رجل عرض كتفيه كالحائط شاهرا سكينا طوله نصف متر وكان هذا آخر مشهد يراه...
صحى على يد غليظة تهوى على قفاه... أنت هتقوم وحياة ...؟؟؟ ولا نقومك ... فتحامل على نفسه وهو يزحف على يديه وقام ... فوجد كفا ينزل على قفاه أنت يا خويا جاى الانتخابات تبلطج ... أنتوا كده يابتوع الجماعات ... جماعات أيه يابيه دنا زكى قدرة أسأل عليا الحتة كلها وجاء أهل الخير فأخرجوه وسمع من يقول له وهو خارجا أبقى خليك فى حالك ياقدرة مالك أنت ومال الانتخابات!!!
وبعد شهور طويلة لا يعرف عددها طرق بابه جاره العجوز يا زكى أنا لقيتلك شغلانة علشان خاطر المرحوم والدك بس بيض وشى مع الراجل هتشتغل على مركب فى النيل شغلانة حلوة والبقشيش يعيشك ملك تعالى أحلق دقنك وألبس كويس.... شرح المدير له العمل وأنه سيحتاج بعض التدريب... فى طريقه للعودة أخذ يكلم نفسه خمرة خمرة وأنا هعمل أيه صحيح أمى وأبويا عمر ما فتهم فرض بس أعمل أيه...
استلم العمل وبدأ فى تقديم المشروبات والشيشة التى أصبح خبيرا فيها... لكزه زميله يالا خد الإزازة دى قدمها للبهوات هناك يالا ياقدرة الموضوع بسيط ماتبقاش لبخة كل اللى عليك فتح الإزازة بالراحة وتصب لكل واحد فى كاسه المسألة سهلة.... وهى لحظة.. فعندما أراد فتح الفلة طرقعت الإزازة فى وجهه ووجه البهوات فجاء المدير مسرعا ساحبا قدرة من ملابسه ملقيا به فى الشارع.. ماشوفش وشك هنا تانى ياكلب!!
غادر وقدماه لا تحملاه فجلس على شاطئ النيل يستجمع أنفاسه وكان يجلس خلفه مجموعة من الشباب يتناولون الحلبسة الساخنة فسمع أحدهم يقول لا والله البرادعى لو الانتخابات ماتزورتشى هيكسب أكيد... إذا كان أيمن نور اللى ما كناش نعرفه المرة اللى فاتت خد يجى 2 مليون صوت البرادعى كسبان كسبان... رد آخر يا عم مين هيخليه يكسب وبعدين الراجل مش حمل بهدلة... أكيد مش هيكمل ... رد آخر يعنى أحنا دايما مش عاجبنا العجب ما الحكومة عامله اللى عليها بس أحنا اللى شعب كسلان تنابله مش عايز يشتغل...
سمعها زكى فملأت عينيه الدموع ثم أجهش فى البكاء ووصل صوت بكائه للشباب الجالس خلفه فقام أحدهم قائلا فيه أيه يا أخينا أنت مين وأيه حكايتك فهدأ قليلا وقاله مافيش الحكاية فى كلمتين .... أنا زكى قدرة... !!!؟؟؟
مصر هى أمى ... ماشربتش من نيلها ... جربت تغنيلها ... جربت مرةه تمشى فى شوارعها ... جربت تخدمها ... جربت الوطنية ... جربت تقديم الإزازة ... جربت تولع الأولاحه ... جربت تشرب الكاس... جربت تنداس... جربت تبوس الأيدين ... جربت الضرب على القفا والخدين ... جربت تمشى على الأيدين والرجلين ... جربت تقول أنا مرة ... طيب بلاش جربت المنظرة ... جربت الهنكرة ... جربت الهبش والهنشرة ... ماجربتش تبقى أنت مش كريم العنصرين وخد على قفاك وأدخل ونام فى المقبرة ...!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة