إن معرفة الحق والفهم والوعى بكافة الأمور التى تحيط بنا لسبب أساسى من أسباب السعادة، فكم من أمور قابلتنا فى حياتنا أخذت معها عقولنا وحيرتنا لفترات طويلة فشغلت حيزا كبيرا من تفكيرنا فمن يشعر دائما بعجزه وقلة حيلته عن فهمه لأشياء معينة أو عدم إدراكه لأشياء فى حياته يبقى دائما مشتت الفكر تائه البال متحيرا.
ولأنهم كما يقولون بأن الجهل داء والعلم دواؤه. فهذا هو حال الجهل يبحث دائما عن العلم ليخرجه إلى النور. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو من أين نستقى هذا العلم فى ظل هذه الأفكار المتعددة والمتابينة وفى ظل أننا أصبحنا أمة نسمع أكثر مما نقرأ.
ففى هذا الزمان تجد صعوبة بالغة فى الاتفاق على حل أو وجهة نظر تجد الكثير من الخلاف فيزداد اضطرابك وتضيع الحقيقة فى هذا الكم من الاختلافات والبعض قد يخطأ الطريق فى اختيار من يفهم عنهم.
فى البداية هناك أشياء تخضع خضوعا مباشرا للعقل فهى أشياء يتحقق العلم فيها عندما تتحدث إلى العقل والعقل وحده هو الفيصل فى الموضوع، فمن الممكن أن تحتار فى مسألة علمية ولكن حينما يثبت من أمامك بكافة الأدلة العلمية والعقلية صحة كلامه فحينها تظهر حقيقة الأمر وتنتهى المشكلة فأنت حينها أدركت من أين تستقى معلوماتك العلمية العقلية التى تعتمد على صحة نتائج التجربة.
نأتى بعد ذلك مثلا للأمور والنظريات الاقتصادية والسياسية فهى غالبا ما تخضع لمقاييس معينة مثل معدلات نمو الناتج القومى وأشياء من هذا القبيل يعنى الأرقام مبتكدبش المشكلة فقط فى أن تكون الأرقام التى نطبق عليها أرقام صحيحة.
مثال آخر الأمور التى تتعلق بالعلاقات الاجتماعية كالصداقة والحب وعلاقتك مع الجيران وأصدقاء العمل والثابت فيها ألا تتسرع فى إصدار حكمك على الآخرين عاملهم بحسن نية مع قليل من الحرص ولا تبالغ فى إعطاء ثقتك فحتما ستأتى الثقة الكاملة مع مرور الوقت واحرص دائما على أن تترك أثرا طيبا لكل من تقابله.
ثم نأتى للأمر الأهم وهى الأمور الدينية فعمن نأخذ وعمن نفهم
أولاً: هناك أشياء الكل يجمع عليها ولا اختلاف فيها فلن تجد عاقلا واحدا يقول لك يوما بأن أركان الإسلام أربع بدلا من خمس أو أن الصلوات قد خففت ولن تجد عالم دين يقول لك بأن الحجاب ليس بفرض فهذا محال لأن الأصول الجميع متفق عليها أم من يظهر ويجدد ويأتى بما لم يأت به أحد من السابقين ويقول لك بأن الحجاب حرية وليس بفرض فأدعو الله لهم بالهداية فالقول قال الله قال رسولة قال الصحابة قال الأئمة الأربعة بمذاهبهم المختلفة. نعود مرة أخرى ذكرنا أن الأصول واحدة نأتى ثانيًا للأمور المختلف عليها والخلاف يكون نوعان:
الأول خلاف يأتى به أحد على عكس ما قاله الجميع بغير دليل واضح وهنا نأخذ بالإجماع طالما معهم الدليل الصحيح، والثانى خلاف تساوى فيه ووجهتى النظر وتساوت فيه الكفتين وهذا يسمى بالخلاف المستساغ وهذا ينطبق عليه قول النبى استفتى قلبك وإن أفتوك. وفى هذه الحالة اختر أيهما أقرب إلى قلبك وأعلم أن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.
إن الحق دائما واضح وضوح الشمس لكننا وحدنا من نصر على وجود الخلاف بأنواعه ولكن اتباع الهوى هو ما يجعلك تجادل فى باطل من أجل أن تفعل ما تريد وتجد ما ترنو إليه نفسك. فتعلم عمن تأخذ العلم بكافة أنواعه وتوجهاته وأعلم أنه ليس العلم أن تعرف المجهول ولكن أن تستفيد من معرفته علمك مسئوليتك وحدك وشرف كبير لك يقول أحد الشعراء:
العلم مبلغ قوم ذروة الشرف وصاحب العلم محفوظ من التلف
ياصاحب العلم مهلا لا تدنسه بالموبقات فما للعلم من خلف
العلم يرفع بيتا لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف.
يقول آخر:
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل
وأن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه الجحافل
وأن صغير القوم إن كان عالما كبيرا إذا ردت إليه المحافل واحذر أن يورثك العلم غرورا أو تكبرا على من هو دونك فى العلم فسمة العلم دائما التواضع.
يقول حافظ إبراهيم:
والمال إن لم تدخره محصنا بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده مالم يتوج ربه بخلاق، فنحن من نبحث عن المعرفة لا تبحث عن أحد فتعلم واقرأ واعرف لتجد أى ضالة منشودة لك ولا تجعل معلوماتك كلها على سماعك وتقول سمعت أن يخيل إلى أن فلان قال فالكتاب وحده هو خير دليل على كلامك. واستمع لأبيات شوقى:
سبحانك اللهم خير معلم علمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته وهديته النور المبين سبيلا
أرسلت بالتوراة موسى مرشدا وابن البتول فعلم الإنجيلا
وفجرت ينبوع البيان محمدا فسقى الحديث وناول التنزيلا، فالحقيقة مصدر من مصادر السعادة لأنه بدونها سيُلعب بك الكرة من كل صاحب معلومة مشوشة وستحتار وتتحير. فلا تشغل بالك إلا بما يفيدك وتعلم العلم وامضِ فى طريقك دوما وتعلم لتقتل الجهل بسلاح العلم والفهم.
