الرأى والرأى الآخر، حوار غائب ومرفوع مؤقتا من الخدمة بين البشر، ويمكن إعادة الخدمة لديه شريطة أن يكون الحوار حرًا لا حدود تقف فى طريقه إلا حدود الشرع، إن لغة الحوار قضية باتت تمثل عبئا قويا مستميتا على مجتمعنا وعلى أفكارنا ورؤيتنا، تثمل نقطة تحول فى التعامل مع أنفسنا قبل التعامل مع أبنائنا وشباب مجتمعنا، لا سيما أيضا أنها لغة العصر فى الأمور الحياتية التى نمارسها مع رؤسائنا، لقد أصبحت لغة الحوار مغيبة تماما، ليس لأنها ثقيلة فى معانيها وفكرها النير، ولكن للأسف لأنها غفلت عن الآداب والقيم التى خصصت من أجل رقيها.
نعم إنها آداب الحوار، نعم إنها الرأى والرأى الآخر، ولا جدال فى أن الخلاف فى الحوار إرادة كونية، ونرى ذلك فى قول المولى عز وجل: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين).
إن سعى مثقفينا وعلمائنا فى إظهار أهمية الحوار والحقائق الكونية من الالتزام بآدابه لخطوة هى الأسمى فى تاريخنا المعاصر، إن الوقوف لحظات ولحظات أمام ذلك القصر الرائع ومعرفة الغاية من الدخول له والنظر إلى مقتنياته الثمينة الرفيعة المطرزة بالذهب والماس والفضة، أصبح طلبا ملحا للنهوض بفكر متميز فى آدابه وخلقه القويم، فالحوار إظهار للحق وتعليم للجاهل وإرشاد لكافة أمور حياتنا، لأنه بهذا الوجه يكون من أعظم القربات إلى الله متى توفرت الشروط وانتفت الموانع.
لقد حان الوقت أن ننظر بمصداقية وبحرص على فوائد استعادة لغة الحوار المثمر ذى الفائدة الفكرية العظيمة، غير متجاهلين فائدته الشخصية، حتى لو لم يلتزم البعض بتلك المفاهيم والمعايير. فلماذا نؤيد أن نُذبح حتى لا نتألم من السلخ، استيقظوا لتلك التربية الصحيحة والحوار بين الوالدين وأبنائهم الذى أنجب ومازال ينجب محاورين رائعين صححوا عبر التاريخ الكثير والكثير من الأفكار، معتمدين بشكل مدروس ومحسوس على أسس مشتركة للحوار كالتحاكم إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة عند المؤمنين، أو التحاكم إلى قواعد المنطق والقياس عند غيرهم والتسليم ببديهيات المعرفة، وبديهيات السلوك، فكيف نتحاور مع من لا يرى أن فى الصدق فضيلة، وفى الكذب رذيلة على سبيل المثال؟!
ليس شرطا أن تكون أنت صاحب الفكر الأصح أو الرأى الأوحد الإيجابى.
يقول الإمام الشافعى فى هذا: "ما حاورت أحدًا إلا وتمنيت أن يكون الحق إلى جانبه"، لابد وأن نكسر تلك الحواجز الحديدة التى باتت تجبر الكثير منا على ارتداء قبعة الحوار الغائب، ويقسو علينا بفكر يهدم جسور الحوار مثل الخوف، والخجل، واستخدام المصطلحات غير المفهومة أمام محاور لا يُفهم معانيها.
ولابد من إيماننا الكامل والعاقل والمتزن بأن هناك اختلافا بين البشر، لكل منهم أسلوب فى الحوار، فينبغى مراعاة المراحل العمرية، واختلاف الأعراف، واحترام عقول الآخرين، بخبرة الحياة عند العلماء والمثقفين فلا نستطيع أن ننكر بأن الحوار بين العاقل والجاهل لابد له من حلم العاقل ليعلّم الجاهل، مؤمنين ومؤيدين بقدر العلماء دون التنازل عن الموضوعية وإخلاص النصيحة بين الطرفين، متخليين عن التعصب، تلك الظاهرة التى تمثل انحرافًا مَرضيًا، حينما لا تكون ذات مضمون أخلاقى.
أعلم تماما بأنه لا يكفى أن نخط أخلاقيات الحوار على الورق لكى نَدعى فهمنا لها، ومهما تمتعنا من الموهبة والحس المرهف والعين الثاقبة فى التقاط الحقيقة ومعايشتها ومشاركتنا لمعاناتها وامتلاكنا للخبرات المتراكمة من وحى تتبع الهموم اليومية، وما تتعرض له من إهمال أو استغلال أو انتقاص فى الحقوق نتيجة تلك الحوار الغائب، كل ذلك لا يكفى لكى نخط سطرا واحدا ندعى فيه مقدرتنا على استعادة الثقة فى أخلاقيات الحوار بيننا، لأننا بكل بساطة نحتاج إلى حلول منطقية فى التعامل مع الحوار الغائب!!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة