يؤلمنى ويحزننى كثيراً أننى كلما جلست مع أحد أو مررت بشارع أو سافرت داخل أو خارج البلاد أسمع معظم المصريين يلعنون مصر.. مع كل أزمة عامة كانت أو خاصة، مع كل حدث بشرى كان أو قدرى، مع كل فساد نبع منا أو فرض علينا.. نلعن مصر!
فمن هى مصر؟؟؟ أليست بلداً ككل البلاد يشكل ماضيها وحاضرها ومستقبلها شعبها وحكومتها؟؟ يتحدد مصيرها وموقعها من الأمم الأخرى سواء كانت فى مقدمتها أو فى ذيلها بيد هذا الشعب وهذه الحكومة؟؟ إذن فنحن مصر!! وإن كانت مصر تمر بمحنة فنحن محنتها وإن كانت مصر تلعن فى كل صباح وكل مساء فهى ضحيتنا جميعاً ونحن أولى أن تصب علينا هذه اللعنات.
فصدقونى يا سادة أننا شعباً وحكومة نحمل نفس العيوب ونفس الخطايا، وليس كما يظن الكثيرون أن تخلفنا سببته حكوماتنا المستبدة المتعاقبة فقط أما نحن فليس لنا من الأمر شىء، إلا أن الحكومة كشفت عن وجهها أما نحن فما زلنا نرتدى الأقنعة.
فمن أتى بهذه الحكومات؟ ومن يتركها تعيث فى البلاد فساداً؟ ومن يؤازرها ويداهنها ويستر عوراتها ويترعرع فى مهدها ويستفيد من فسادها؟؟؟؟ وإذا كان مسئولو الحكومة ينحنون لرئيس البلاد ويسوقون الشعب، فماذا يفعل أى فرد عادى من الشعب إذا تولى سلطة أو منصباً صغيراً كان أو كبيراً؟ ألا يفعل نفس الشىء؟ ألا ينحنى لرئيسه ويتسلط ويتجبر على مرؤوسيه ويفرغ عقد نقصه فيهم؟ ألا يتشبث بالمنصب مهما كانت التنازلات؟ ألا يسعى للاستفاد منه بكل ما أوتى من قوة؟ وأؤكد هنا أننى لا أتحدث هنا عن أى مسئول كبير بل إننى أتحدث عن الصغار (مدير مدرسة، رئيس قسم صغير فى مصلحة حكومية... الخ)، وفى المقابل ماذا يفعل الشعب المرؤوس فى كل مكان وزمان؟ ألا يساق بمنتهى الهدوء إلى الوجهة التى يريدها له رئيسه ولا يعترض على هذا الانسياق سوى قلة منحرفة!!!!
نأتى إلى الديكتاتورية التى نرفضها من الحكام والديمقراطية التى نطالب بها ونتشوق إلى تطبيقها، فهل يا ترى نحن كشعب بعيداً عن الحكومة المستبدة نطبق الديمقراطية؟؟ هل نطبقها كآباء مع أولادنا؟؟ هل نطبقها كأساتذه مع تلاميذنا؟ هل نطبقها كمديرين مع مرؤوسينا؟ هل نطبقها كجماعات وكأفراد مع الآخر الذى يختلف معنا فى رأى أو فكر أو عقيدة؟؟؟ نظرة واحدة إلى أى حلقة نقاش داخل أى مجال سياسى أو اقتصادى أو دينى... الخ وستعرف الإجابة!!!!
فلننتقل إلى الغش والتزوير والواسطة والمحسوبية وغيرها من مظاهر النظام الفاسد الذى نرفضه. من منا يا سادة لا يلجأ إلى الواسطة؟؟ من منا لا يبحث عن مسئول كبير لإنجاز مصالحه؟؟ من منا لا يلجأ إلى الغش والكذب فى أحيان كثيرة؟ خبرنى بالله عليك كيف نستخرج رخص القيادة؟؟؟ كيف يدخل أبناؤنا كليات الشرطة؟؟ كيف نحصل على إجازات من التأمين الصحى ونحن أصحاء؟؟؟ كيف ننقل من وظيفة بمكان ناء إلى وظيفة بمقر إقامتنا؟؟؟ كيف نتجنب الوقوف بأى طابور فى أى مصلحة حكومية؟؟؟ وهل يفكر المواطن الشريف فى هذه المواقف على أنها تنطوى على نوع من الغش والتزوير؟ وهل يوجع ضميره أنه ربما يكون متعدياً على حق إنسان آخر؟ أم أن المبررات هنا تكون معدة وجاهزة ومرضية للضمائر تماماً مثل مبررات الحكومة؟؟؟!!!
ولنتحدث عن عدم التخطيط والعشوائية فى اتخاذ القرارات وتنفيذها وغيرها من السلبيات التى نعيبها على الحكومة. فهلا ذكرتنى عزيزى المواطن بخمسة قرارات هامة فى حياتك اتخذتها بناء على تفكير طويل وتخطيط جيد؟؟؟ كيف تختار الكلية التى ستدرس فيها والتى تحدد مستقبل حياتك المهنية؟؟ كيف تختار شريك حياتك؟؟ كيف تخطط لمستقبل أولادك؟ بل كيف تخطط ليومك؟؟؟ كيف تستعد ليوم الحساب هذا إن كنت تفكر فيه أصلاً؟ ألا تتفقون معى أن معظمنا يسير كيفما توجهه الأحداث والظروف؟؟ ألا ترون معى أن معظمنا يلقون بفشلهم وبكافة مشكلاتهم على شماعة القدر وإرادة الله، وينسون أن الله خلقنا مخيرين وزودنا بإرادة وعقل لم يهبه لأى من المخلوقات.. ألا يعيش معظمنا يعيش بمنتهى العشوائية؟؟؟!!!
فماذا عن التفكير والعلم والإبداع وعن سعى مسئولى الحكومة لتدمير هذه المعانى والقضاء عليها، فهل كل الشعب أو معظم أفراده يرغبون حقاً فى تشغيل عقولهم وإعمال فكرهم؟ فهل نشجع أطفالنا على التعبير والمناقشة والابتكار؟ ألا نرسل أبناءنا إلى المدرسين الخصوصيين الأفذاذ الذين يلخصون المناهج ويحولونها إلى أسئلة وأجوبة محفوظة عن ظهر قلب حتى يفرغها الطالب من رأسه فى ورقة الإجابة وينتهى الأمر؟ ألا نثور ويثور معنا أبناؤنا عندما يأتى سؤال فى الامتحان يتطلب قدراً من التفكير ونطالب بمنتهى الجهل أن تكون الأسئلة مباشرة وبسيطة ومن الكتاب المقرر وفى مستوى الطالب المتوسط والأقل من المتوسط بل والضعيف أحياناً...؟ ألا تنحصر علاقة معظمنا بالتقدم التكنولوجى فى استهلاك أحدث أنواع الموبايلات وامتلاك الدشات وأحدث أجهزة الكمبيوتر التى نستطيع بها الدخول على شبكة المعلومات العالمية طوال الأربع والعشرين ساعة لتحميل أحدث الأغانى والأفلام، ومشاهدة آخر الصور الإباحية والفضائح الجنسية.. هذا ناهيك طبعا "عن تكوين علاقات صداقة حميمة ووقورة ومحترمة مع الجنس الآخر؟؟؟!!!
نحن لا نهوى التفكير ويعيينا تشغيل عقولنا، ونخرج من منازلنا فى الصباح بقرار مسبق ألا نرهق أذهاننا حتى نعود بسلام، ونغضب أشد الغضب إذا طلب منا فى دراسة أو عمل أو استطلاع رأى أن نحرك هذه الأذهان قليلا "حتى إن البعض يلجأ فى استطلاعات الرأى والأبحاث إلى نقل إجابات وآراء الآخرين حتى لا يحمل نفسه عناء التفكير.. فهل يستطيع أحدكم الجزم أنه لم ير هذا ولم يسمع عنه مراراً وتكراراً؟؟؟؟؟
وأخيرا فإن كل فرد يبحث دائماً عن مبادر يقوم بالإصلاح على أن يكون هذا المبادر شخص آخر غيره. ويقسم ويصدق نفسه أنه لو قام أحد بمحاولة إصلاح الوضع السياسى ليهتف وراءه، ولو بدأ أحد بتقويم المعوج فى عمله ليتبعه، ولو بادر أحد إلى تغيير العادات والتقاليد التى تهدد المجتمع ليؤازره. فدائما ما نبحث عن شخص آخر يفكر ويتحمس ويقرر ويبادر ويصلح ويتحمل المسئولية، وإلى حين ظهور هذا الفارس فنحن قابعون فى مكاننا عاجزون عن فعل أى شىء. والحق أننا لسنا بهذا العجز المطلق بل إننا نستطيع إن أردنا وإن اعترضنا وإن حاولنا أن نغير وأن نطور ولو نسبة ضئيلة للغاية فى هذا البلد تزداد مع مر الزمن. ولكننا صدقونى عشقنا هذا العجز وعشقنا الاستكانة.. فحتى إن ظهر هذا الفارس المنتظر فى كل ميدان وسرنا وراءه سنهرب مع أول مكروه يصيبه ويتعالى صوتنا بالهتاف المقدس: اللعنة عليكى يا مصر..... فما هو ذنب مصر؟؟؟!!!!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة