شوقى حافظ يكتب.. علماء.. عملاء

الثلاثاء، 30 مارس 2010 08:09 م
شوقى حافظ يكتب.. علماء.. عملاء

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما التقى الجنرال ماك آرثر قائد القوات الأمريكية مع الإمبراطور هيروهيتو لتوقيع وثيقة استسلام اليابان فى الحرب العالمية الثانية، قال الإمبراطور: اليابان لم يهزمها سوى القنبلتين الذريتين هيروشيما وناكازاكى، فرد عليه الجنرال المنتصر قائلا: بل هزمتها قنبلة ذرية ثالثة يا صاحب الجلالة هى كتاب (ذى كريزنتيمم آند ذى سوورد) أو زهرة الأقحوان والسيف.

الكتاب ألفته عالمة الأنثروبولوجى الأمريكية (روث بندكت) فى ثلاثينيات القرن الماضى بإيعاز من الأجهزة الأمنية هناك. عندما أدرك صناع السياسة الخارجية فى واشنطن أن هناك احتمالا قويا لحدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة واليابان، وهو دراسة شاملة عن بعد للمجتمع والشخصية اليابانية استعانت فيها بالجالية اليابانية فى أمريكا، مع تحليل مضمون الأعمال الأدبية والفنية، وبحث مستفيض فى التاريخ والقيم والأعراف والتقاليد السائدة فى المجتمع اليابانى.

ماك آرثر لم يجانبه الصواب فى وصف الكتاب بالقنبلة الذرية، فمعرفة العدو وفهمه هى المدخل الصحيح لمواجهته والانتصار عليه.. وكثيرة هى الكتب والبحوث العلمية التى توظف لأغراض أمنية وعسكرية.. الواجهة تكون علما بحتا ينشغل بدراسات علماء وباحثين من أصحاب المراكز المرموقة والأسماء اللامعة، لكن نتائج البحوث توظف لخدمة فوهات المدافع والقاذفات! ولم يكن صدفة أن أشهر جواسيس بريطانيا فى العالم العربى كانوا علماء ومن أبرزهم (المس) جيرترود بيل التى كانت عالمة آثار تجيد اللغة العربية وعلى دراية كاملة بأصول القبائل العربية وعشائرها وأفخاذها، وقد وظفت معارفها لخدمة السياسة البريطانية فى العراق والمشرق العربى عموما، كما قدمت قاعدة معلومات لها قيمتها لأشهر صانع خرائط سياسية فى العالم السير بيرسى كوكس!

وكثيرة هى النماذج التى يمكن تقديمها عن محنة العلم والعلماء عندما يتم توظيف نتائج البحث العلمى وعصارة العقول لخدمة مخططات التوسع والعدوان، لكننا نتوقف قليلا عند نموذجين : أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الأسبق الذى كان عالما يجيد عدة لغات من بينها العربية، ومن خلالها استبطن الشخصية العربية بتحليل مضمون كثير من إبداعاتها الأدبية والفنية، حتى أنه أعد أطروحة لنيل درجة أكاديمية حول أدب توفيق الحكيم، وقد سخر هذه المعرفة ببراعة لخدمة النوايا العدوانية الإسرائيلية دبلوماسيا بشكل لم يحققه وزير خارجية إسرائيلى آخر، ثم لدينا العالم العربى ابن خلدون الذى يعرف بأنه رائد علم الاجتماع العربى فى مقدمته الشهيرة المسماة : العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر.

ففى مسرحية (منمنات تاريخية) للكاتب المبدع سعد الله ونوس تستعرض المسرحية موقف العلماء عندما اجتاح تيمورلنك بلدان الشام وفرض حصارا حول مدينة دمشق، من خلال ابن خلدون الذى يراه سعد الله ونوس نموذجا انتهازيا وطراز فاسدا من العلماء، يسعى للقاء تيمورلنك متخاذلا دون أن يقيم اعتبارا للخطر الذى يهدد الأمة، ويقبل تكليف تيمورلنك له لإعداد مخططات جغرافية لأقاليم ومدن المغرب العربى تمهيدا لغزوه، بما دفع شرف الدين تلميذ ابن خلدون لاتهامه بالخيانة!

ويحدثنى الصديق الدكتور محمود إسماعيل، أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، أنه خلال إقامته الطويلة فى المغرب تعرف على أستاذ أنثروبولوجى فرنسى أمضى أكثر من عشر سنوات هناك لدراسة الرقص الشرقى: أساليبه ومناهجه والعادات المرتبطة به، ورغم الطرافة الظاهرية للموضوع إلا أنه يحدث تراكما معرفيا عن الإنسان العربى فى مختلف اهتماماته وتطلعاته.. ذلك التراكم الذى قد يسخر يوما ما لخدمة فوهات البنادق!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة