الوقوف خلف البرادعى أم الوقوف بجواره، تلك هى القضية التى تستحق المناقشة، فالوقوف خلفه يعنى المبايعة على بياض وتحويل النخبة السياسية التى ناضلت وراكمت ودفعت ضريبة أشواق التغيير، إلى قطيع ينتظر الكلأ الآمن فى بادية البرادعى.
والمشكلة الأساسية تكمن فى رفض البعض مجرد المناقشة أو الجدل حول أفضل الفرص والشروط التى تؤسس فى المجتمع وقبلها فى الشارع السياسى قاعدة حقيقية للتغيير، لكن الحماس الذى يصل لدرجة الانفعال يحجب الفرصة الطبيعية لإجراء حوار وطنى شامل حول أجندة تحقق الحد الأدنى من المطالب الشعبية، بينما الرجل يغيب ويحضر، ثم يحضر ويغيب، وفى كل الحالات يدير حواراته ويطرح رؤيته عبر وسائط ثلاثة، أولهما استخدام تقنية الإيميل والفيس بوك، وثانيهما حوارات إعلامية تنطلق من مفاهيم الحملة المنظمة، وثالثهما ترتيب لقاءات مع دوائر النخبة فى مصر، أو فلنقل أصحاب القفازات الحريرية، فيسمع منهم ما يحب ويسمعهم ما يحبون سماعه.
وأعطت النخبة السياسية والإعلامية لصورة البرادعى طابع القداسة فالخلاف معه أو حوله جريمة كبرى، وطرح أفكار ومشروعات أو أشخاص فى مشهد التغيير يتم تقييمه باعتباره شقاً للصفوف ودعماً للإعلام والموقف الحكومى فى نقد البرادعى والهجوم عليه، فنقول لهؤلاء: نحن ضد النظام ومشروعه فى نهب وتقزيم مصر، ولسنا ضد البرادعى، لكن من حق كل وطنى أن يناقش ويتحفظ ويحاول ترشيد وعقلنة المشروع المطروح، ولأننا ما زلنا فى المراحل الأولى من حراك التغيير، فمن حقنا أن نختلف مع أجندة البرادعى، وتقييمه لمراحل النضال الوطنى فى مصر، ورؤيته للمشهدين العربى والدولى، وموقفه من القضية الفلسطينية والعراقية واللبنانية والسورية والسودانية... إلخ.
وفى كل الحالات نحن أمام مشروع شخص واحد ورؤية فرد تشكل وعيه فى سياقات غير طبيعية، بينما مصر فى حاجة إلى مشروع يلبى مطالب ومطامح أصحاب المصلحة الحقيقية فى التغيير، ولا يمكن اختزال الأمر فى أصحاب المصلحة فى التعبير، الذين حشدوا كل المطالب السياسية محل الاتفاق وعبروا عن قضايا الانحياز الاجتماعى والبعد الجغرافى السياسى لدور مصر السياسى، فالآلية التى يسير بها البرادعى تتعالى على القوى السياسية، فما بالنا بالقوى الاجتماعية المسحوقة، ولا يمكن أن يتم التغيير فى مصر بالفاكس والإيميل، أو الحوار مع الجماهير باستخدام (الشات)، وأتصور أن نظامنا السياسى ينظر لهذا الحراك المرتبط بالبرادعى نظرة ذكية تعتمد على قراءة النتيجة مبكراً، لأن المقدمات التى تحدث تؤدى إليها، والنتيجة التى يعلمها النظام أن هذا الحراك خادع وسراب، لكنه سوف يستوعب طاقة النخبة، ويعزلها عن أهدافها الحقيقية وكأن لسان حال الحكم فى مصر يقول: (خلِّى الناس تتبسط)، فالإعلام يكتب والشارع السياسى مزدحم باللقاءات والمؤتمرات، ومواقع النت تعمل بأعلى طاقتها، أما الذين يبحثون عن تجسيد لفكرة الرمز والبطل المنتظر، فقد أكرمهم القدر برجل تتوافر فيه كل الشروط، فالرجل قيمة وسيمة ومركز دولى وكمان ابن ناس والناس درجات.
وبمناسبة الوزن الدولى لشخص المرشح كبديل رئاسى، أنا شخصياً لا أعلم ولم أقرأ عن زعيم سياسى صاحب دور مؤثر على الصعيد الدولى وكان له وزن دولى قبل أن يترشح للرئاسة مثلاً، فالعبرة تكون بالحاكم الذى يستطيع أن يرتفع بوزن بلده على الصعيد الإقليمى والدولى، فيستمد وزنه من وزن بلده وعمق دوره..