عشقنا القراءة منذ نعومة الأظفار، ربما لأن الكتب وحدها كانت هى موضع الاهتمام، وهى دون أدنى شك كانت خير جليس، وكانت حولنا فى كل مكان.. أينما وجهنا نظراتنا فثم الكتب.. فى مكتبات المدارس وفى المكتبات العامة وفى بيوتنا وعلى الأرصفة وفى بيوت أصدقائنا، ويسألنا عنها الأساتذة ويكتب بعضهم عنها القصائد، وأصحابها المؤلفون قمة المجتمع وسادته. وكنت أدخر مصروفى اليومى وأنا ما زلت فى المدرسة الإعدادية والثانوية كى أشترى به كتبا كل يوم جمعة من سور الأزبكية قادما من بنها، ثم عائدا إليها سعيدا بثروتى التى تؤنسنى طوال الأسبوع، وكنت بانتظام أنتهى منها جميعا مع مساء الخميس.
الكثيرون الآن لا يعرفون أن القراءة ليست ثقافة فقط، بل كانت ولا تزال متعة ومجدا وشرفا وفخرا وبناء للشخصية ومصدرا للتوازن النفسى والتواصل، كما أنها ملهمة للمبادرات والأعمال العظيمة، ومعظم من استطاعوا تغيير الأحوال فى بلادهم كانوا من القراء الأصلاء العاشقين لهذه الهواية الرفيعة.
أما فى أيامنا هذه فالقول الذى يتناهى إلى سمعنا كثيرا هو: المصريون لا يقرءون.. وإذا افترضنا أن القول صحيح، فنادرا ما وجدنا من يجيب على السؤال.. لماذا لا يقرون؟.. الحق أن بعض المصريين يقرءون، والأغلبية لا تقرأ للأسباب التالية:
1 - ثلث الشعب المصرى أمى، والمتعلمون الذين يزيد عددهم عن الثلث
مشغولون عن القراءة بالتلفزيون والمقاهى والنواصى والمخدرات
2 – التعليم ينفر الطلاب من القراءة ومن اللغة العربية سواء بسبب المناهج أو
ضعف قدرات المدرسين.
3 – وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون لا تشجع على القراءة بل تقدم للشباب
والجماهير كل ما يؤدى لتسطيح العقول.
4 - ليس هناك ما يحمس الطلاب على دخول المكتبات المدرسية ولا يوجد ما يكفى
من مسابقات القراءة الحرة.
5- مكتبات وزارة الثقافة قليلة ولا تهتم بتشجيع عادة القراءة، ومعظم الكتب التى
يزودون بها المكتبات قديمة وغير جذابة.
6 - الكتب الجديدة التى تصدرها دور النشر لا تصل إلى القراء فى المدن الصغيرة
ولا إلى مراكز الشباب، والقراء الحقيقيون يسمعون عن كتب لا تصل إليهم.
7 - معظم الكتب التى تصدرها دور النشر الحكومية مثل المجلس الأعلى للثقافة
وهيئة الكتاب ودار المعارف تخرج من المطابع إلى المخازن.
8 - الأحوال الاقتصادية والظروف المعيشية للمواطن المصرى لا تسمح له باقتناء
كتاب.
9 - تحول عدد كبير ممن يقرءون الكتب إلى قراء صحف، وتصدر فى مصر نحو
مائتى جريدة ومجلة يومية وأسبوعية، كما أن عددا غير قليل تحول إلى النت.
10- البطالة التى تصل إلى 10% من الشباب أى نحو خمسة ملايين على الأقل لا
تساعد العاطلين على القراءة بسبب انعدام الدخل وسوء الحالة النفسية.
11- كثرة أسباب اللهو ووسائله وهيمنة كرة القدم والإحساس العام بعدم جدوى كل
ما هو جاد ونافع وعلمى، إذ ساد العبث وتراجعت القيم وأهمية الثقافة بل
أصبحت التفاهة لها الأهمية الكبرى، وطلب المال والمنصب والفهلوة
والوصولية، وغياب الكفاءة كمستند وعامل للتقدير.
12- غياب القدوة القارئة.. فلم نسمع أن وزيرا تحدث عن كتاب قرأه، ولم نسمع أن فنانة قرأت كتابا، وعلى العكس من ذلك فنانون مثل ميل جيبسون وسبيلبيرج وكلينت استوود، والرؤساء فى الخارج يحرصون على القراءة، وقد رأينا كيف ناقش كلينتون ماركيز فى كتبه، وكيف سهر أوباما مع كتاب أهداه له شافيز، وكيف كان عبد الناصر لا ينام إلا بعد أن يقرأ، وكذلك ديجول ونهرو وأندريه مالرو وثروت عكاشة وخالد محيى الدين وغيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة