كل الفضائيات العربية ومراسليها – تقريبا – فى مدينة سرت الليبية.. تتداخل الحوارات والنقاشات.. تختلط الحقيقية منها بالدعائية.. عندما يصبح الموضوع الرئيسى القدس والمسجد الأقصى.. ويظهر أولئك الموسميون، الذين يعيشون على النواح على الأقصى أو الهتاف من أجله أو استخدامه بحسب ما يحلو لهم لجنى الثمار من وراء ذلك!!.. ذاك المشهد الذى أرغم آخر على التراجع فى الذاكرة إلى الوراء قليلا.. اعتصام الزملاء الصحفيين بموقع "إسلام أون لاين" فى مقرهم بمدينة السادس من أكتوبر منذ أسبوعين تقريبا.
(1)
المشهد الذى سيستمر لبرهة من الوقت، حتى بعد انتهاء أعمال القمة، والآخر الذى قد يستمر دون اهتمام.. كانا فى خلفية تفكيرى وأنا أدلف إلى موقع يحمل اسم فضيلة الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى.. حيث الكثير من الأشياء.. ليس بينها سيرة الرجل الذاتية، أو تصريحاته بخصوص مسألة موسمية ما.. أرشيفا كاملا لكل ما قدم الرجل طوال رحلته، مكتوبا أو متلفزا.. آرائه فى مسائل محددة.. مناظراته العلمية الراقية مع ملحدين.. تحين بعد أيام قليلة – 5 إبريل –الذكرى السنوية التاسعة والتعسين لميلاده.. كان مهتما بالشعر والأدب منذ نعومة أظافره.. رأس اتحاد الطلبة وجمعية الأدباء بالزقازيق فى المرحلة الثانوية.. إستشاره أدباء ومفكرين عظام مثل: د.محمد عبد المنعم خفاجى، طاهر أبو فاشا، خالد محمد خالد، ود. أحمد هيكل يستنيرون فيما يكتبون.
(2)
بدأ الشيخ دارسا بكلية اللغة العربية عام 1937.. منشغلا بالحركة الوطنية.. موليا بقلبه صوب ثورة 1919، التى خرجت بمنشوراتها من الأزهر الشريف.. ومتجها وزملاءه من معهد الزقازيق الأزهرى إلى ساحات وأروقة الأزهر.. يلقى الخطب فيتم اعتقاله.. المرة تلو الأخرى.. الإسلام عقيدته.. ومصر ملء قلبه وعينيه ومشاعره.. ومن المعهد الدينى بطنطا، إلى نظيره بالزقازيق، ثم مثيله بالإسكندرية.. انتقل الشيخ إلى السعودية عام 1950.. أستاذا للشريعة بجامعة أم القرى.. وعندما حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود عام 1963.. عاد الشيخ إلى وطنه.. ولم يعد – عاملا – إلى المملكة إلا بعد سنوات طوال.. سافر إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك.. وظل حوالى سبع سنوات حتى حدثت نكسة يونيو 1967.. فعاد إلى مصر.. يدرك جيدا معنى الوطن.. يدرك جيدا قيمة الكلمة.. فلا تخرج منه لصالح كبير أو ضده.. ولعل جملته الشهيرة للرئيس مبارك بعد نجاته من محاولة الاغتيال فى أديس أبابا منذ سنوات طويلة، دليل واضح على ذلك.. قال: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل".. الوطن.. تلك الأبواب التى تفتح لك على مصاريعها.. فتدلف دون خوف أو توجس أو انتظار لمقابل تدفعه، مهما ساءت الأحوال.
(3)
"لولا أمير قطر لكنت على قائمة الإرهاب" .. هذا هو تصريح لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين.. نشرته صحيفة "العرب" القطرية، يوم 14 فبراير الماضى.. فسر فيه كيف وقف الشيخ حمد بن خليفة فى وجه الولايات المتحدة الأمريكية التى رغبت فى إدراجه على قائمة الإرهاب!!.. الشيخ الذى انطلق للعالمية – بنص تصريحه – أرجع الفضل فى هذا لأمير قطر وحكومته، لاحتضانها له منذ عام 1961!!.
الشيخ يسقط وطنه من كل الحسابات عندما يقول: "أكرمنى الله بدولة قطر التى أفسحت لى الطريق، ولم يقف أمامى أى عائق فى سبيل حرية القول، فأنا أقول ما أشاء فى دروسى، وفى برامج الإذاعة والتليفزيون، فى الصحف، وفى قناة الجزيرة.. ربما لو بقيت فى مصر لكنت رهين المحبسين، كما حدث لإخوانى"!!..
(4)
ويوم الإثنين الماضى.. طمأن الدكتور يوسف القرضاوى رئيس مجلس إدارة جمعية البلاغ الثقافية مالكة موقع "إسلام أون لاين" الإلكترونى، العاملين بأن الموقع مستمر على مستوى العالم باللغتين العربية والإنجليزية.. وإنه سيتم تصحيح الأوضاع التى وقعت مؤخرا "وأن المياه ستعود إلى مجاريها".. وفى اليوم التالى، الثلاثاء الماضى، حل وزير الشئون الاجتماعية فى دولة قطر، مجلس إدارة جمعية "البلاغ" الثقافية التى تدير الموقع.. وقام بتعيين مجلس إدارة مؤقت ليس من بين أعضائه الشيخ القرضاوى.. ليحتل موقعه على رأس المجلس، كل خصوم القرضاوى فى قضية الموقع.. إبراهيم الأنصارى، على العمادى، محمد بدر السادة.. وهؤلاء من قام العاملون بالموقع بتحميلهم مسئولية تدميره صراحة!!. أغلق الموقع من الدوحة.. وسلب من 340 صحفيا وإداريا وعاملا "الدومين" وكل صلاحيات العمل.. دخلوا فى اعتصام مفتوح داخل مقرهم بالقاهرة..
(5)
بعد عدة أيام.. أشاد الشيخ – مرة أخرى – بدور قطر وأميرها وزوجته، فى دعم الموقع منذ انطلاقته قبل 11 عاما.. كوسيلة عالمية لنشر الإسلام الحضارى والوسطى.. وقال أن: "ما حدث من أخطاء وسقطات من الموقع خاضعة للتصحيح، ويمكن التغاضى عنها بالنظر إلى حكم النفع الكبير للموقع"!!.. واختزل الشيخ الأزمة فى أن: "ليس كل ما نشر حقائق، وهناك أكاذيب وشائعات وتحريفات"!!
وأمس السبت.. قرر الشيخ الخروج من الموضوع برمته.. فقد قال كلمته منذ زمن.. والدخول فى الموضوع الموسمى المحبب.. فحمل القمة العربية المنعقدة فى سرت الليبية مسئولية ما يحدث للمسجد الأقصى.. ودعا الشعوب المسلمة إلى دعم المقاومة الفلسطينية.. ومقاطعة الدول الداعمة للاحتلال الصهيونى.. وبهذه المناسبة أتوجه بسؤال آمُل فى إجابة منطقية عليه.. لماذا لم تقاطع دولة قطر.. باحتضانها لمكتب التمثيل التجارى الإسرائيلى، وأكبر قاعدة أمريكية، وقناة العيديد الشهيرة، بكل توجهاتها؟!!
• كاتبة صحفية بالأهرام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة