اللغة والدين والتاريخ ثلاث ركائز مهمة تحمل هوية الأمة، وإذا أردنا أن نسترجع ونوثق تاريخنا أو نقرأ أحكام الدين فلابد من الانتفاع بالركيزة الأساسية وهى اللغة التى تعد وسيلة التعبير عن مشاعر الفرد وعواطفه وأحاسيسه وما ينشأ فى ذهنه من أفكار وخصوصا إذا كانت اللغة ذات بلاغة وفصاحة ومشبعة بالمفردات والتراكيب كاللغة العربية.
لغتنا العربية الجميلة تعد من أقدم اللغات السامية وما يميزها حفاظها على شكلها ومخزونها التاريخى، بدليل أن القارئ العربى يستطيع اليوم أن يفهم كل ما كتب باللغة العربية منذ آلاف السنين فى حين قد لا يستطيع القارئ الانجليزى على سبيل المثال فهم اللغة التى كان يكتب بها شكسبير منذ حوالى أربعمائة عام، وتجتمع فى اللغة العربية عدة خصال منها طواعيتها للاشتقاق وتوليد المعانى وفيها خاصية التضاد والترادف والمشتركات اللفظية، ثم تكتنز بالعديد من سمات الجمال التى تكفى لجعلها لغة شاعرية ذات حس إيقاعى تتجلى فى ظواهر الجناس والطباق والسجع والمجاز والمقابلة والتشبيه والعديد من الصور البديعية.
المدارس من أهم الميادين التى يرجى منها غرس بذور القومية العربية فى نفوس الأجيال الصاعدة وذلك بالعمل على ترسيخ القواعد الأساسية للغة العربية فى ذهن الطالب وإكسابه المهارات التى تصون بقاءها واستمراريتها، حيث إنها البيئة التى يقضى فيها الطالب عقداً ونيفاً من العمر منذ نعومة أظافره وحتى بلوغه سن النضج الفسيولوجى والفكرى.
ومن الملاحظ أن منهاج اللغة العربية فى زماننا أصبح يعانى الضعف، الأمر الذى يخلق ثغرات تحاول لغات أجنبية أخرى ملأها وهذا يعكس صورة سلبية على قدرات الأجيال المعاصرة وعلى مكانة اللغة مما يؤدى إلى إلغاء التعامل مع لغتنا العربية باعتبار أنها اللغة الأساسية الأم، فى زمن مضى كان أسلوب تعليم اللغة العربية أكثر موسوعية حيث إن المادة المقررة تصل إلى مبتغاها الى حد إشباع ذهن الطالب، على سبيل المثال إن أجيال ما قبل الثمانينات درسوا شرح المعلقات وكانوا متفوقين فى حفظ الشعر، بل كانوا أكثر مهارة واستيعابا لقواعد اللغة ومقرر دراستهم، وكان منهاج اللغة العربية ينقسم إلى عدة أقسام، كتاب للعروض وآخر للنحو والصرف ومن ثم القراءة والكتابة، بمعنى أنه كان أكثر تفصيلا ويعطى لكل ذى فرع حقه الكافى، وما إن ينهوا مراحل التعليم المدرسى أو "الكتاتيب" حتى يتخرجوا معلمين أو يشغلوا مناصب متنوعة فى عدة وظائف ومنهم من تحفزت جوانب الإبداع فى دواخلهم وصقلت كثافة المعلومات وكفاءتها ذائقتهم اللغوية ليصبحوا شعراء أو كتاب أغنوا الساحة الأدبية بابداعاتهم.
إنها دعوة إلى المقارنة بين الماضى والحاضر لاختيار الأفضل الذى يصب فى صالح اللغة، وإن التقدم التكنولوجى لا يعنى التخلى عن الهوية، بل يجب توظيفه لخدمة كل جوانب الحياة بما فيها دعم وتعزيز اللغة العربية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة