أعلنها عبد المطلب جد النبى صلى الله عليه وسلم صريحة مدوية على الفطرة وسط الجبال وبين الصخور، فشهدت عليه السماء والأرض، ورددت كلماته الطيور وحملتها الرياح إلى أرجاء الكون، لتنشدها جميع المخلوقات ويسمعها الخالق العظيم من فوق سبع سماوات.. تلك الكلمة التى غيرت مجرى التاريخ وقضت على أحلام صاحب الفيل "للبيت رب يحميه"، التى قالها عبد المطلب بعد أن برأ إلى خالق البيت وصاحبه وأوكل إليه حماية بيته.
واليوم بعد مضى أربعة عشر قرنا من الزمان، هل يعترف العرب بأن للبيت ربا يحميه ويرفعوا أيديهم "التى لا تكاد إلا بالكاد أن تحمل الفتات من تحت اقدام أعدائهم"، وينهوا هذه المهاترات ويدعوا المسجد الأقصى لحاله، وكفاهم ادعاء بأنهم المدافعون عنه والمجاهدون فى سبيل فك قيوده والساعين لخلاصه من غاصبيه وكأنهم كلهم خالد وسعد وصلاح الدين وقطز وبيبرس .. وكأن كل منهم وحده له حق الدفاع وسلطة الكلام وقدرة الرد وما دونه متخاذل عميل جبان.
وليبحثوا على ما بقى منهم وهم يسبحون فى بحر من الاتهامات ولايسمعون إلا لخفافيش الظلام، ولا يعشقون إلا صوت البوم ولا يرون إلا طريق واحد يسيرون فيه خلف عدوهم "حتى لو دخل جحر ضب دخلوه معهم"، واختفت من بينهم النسور والأسود والحمام واليمام ولم يبق إلا السوس والدود والبوم.
وليرجعوا إلى الوراء ليجدوا أن كل الأجيال ردت عن نفسها ودافعت عن كرامتها إلا نحن، لم نرد ولكننا بحثنا عن كرامة لنا بين الرماد بعدما احترقت كرامتنا كاملة، فتغبرت وجوهنا ولم نعرف أنفسنا وتهنا بين الأمم وتاه بسببنا مستقبل الأجيال القادمة التى سوف تعلق لنا المشانق وتزرع لنا الخوازيق لتعدم عصرنا عصر الانهزام والانكسار، وتلقى به فى مزبلة خاصة للتاريخ لم يدخلها أحد قبلنا ولن يوجد مكان فيها لمن بعدنا.
وبعدما وصلنا إليه، أليس من الأجدى أن نتنصل من المسئولية وأن نقول لسنا لها، لا يوجد بيننا أبوبكر ولاعمر ولاصلاح الدين. وأن للبيت ربا يحميه فى هذه الحالة قد يرأف بنا الخالق ويخلص البشرية من جيل لايستحق الحياة ولايستحق الموت بشرف بل يكفيه موت الدود الذى يأكل بعضه بعضا وليبقى للبيت رب يحميه.