مع مطالبة الولايات المتحدة له بالتزامات واضحة، سجلت زيارة نتانياهو إلى واشنطن نهاية اللعبة المزدوجة التى ظل يمارسها على مدار نحو عام، مع بداية توليه رئاسة ائتلاف يهيمن عليه اليمين واليمين المتطرف، حيث نجح نتانياهو إلى حد ما خلال هذا الفترة فى المراوغة بين المطالب الأمريكية بتقديم تنازلات من أجل السلام ومطالبة الإسرائيليين له بمواصلة استعمار الضفة الغربية والقدس. هكذا استهلت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية لمقالها حول لقاء نتانياهو وأوباما الأخير الذى وصفته بال"الكارثى".
تقول الصحيفة إنه على الرغم من أن نتانياهو كان دائم التباهى بمعرفته التامة بطريقة تفكير واشنطن وبالتأييد الواسع له فى الأوساط السياسية الأمريكية، وعلى الرغم كذلك من أن رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة كان من شأنها منحه الفرصة لإرضاء حليفته القوية بعد الضربة التى سببها الإعلان عن بناء مستوطنات جديدة فى القدس الشرقية خلال زيارة نائب الرئيس بايدن، إلا أن ما حدث هو العكس تماما. حيث إن مقابلته مع أوباما كانت كارثية، لاسيما وأن الرئيس الأمريكى قد استقبله ببرود، حتى أنه قد قطع حديثه معه لتناول العشاء مع عائلته، مطالبا إياه باتخاذ تدابير ملموسة.
تتضمن هذه التدابير، وفقا للصحافة الإسرائيلية، مطالب محددة منها وقف البناء فى القدس الشرقية، وذلك فى الوقت الذى تم فيه منح رخصة بناء جديدة خلال اجتماع أوباما ونتانياهو، وأيضا عودة المناطق التى احتلتها إسرائيل من جديد خلال الانتفاضة الثانية إلى السلطة الفلسطينية.
وكان أوباما قد طلب كذلك الافراج عن مئات السجناء الفلسطينيين من" فتح" وتمديد مدة تجميد بناء المستوطنات فى الضفة الغربية التى تنتهى فى سبتمبر المقبل. كما أكد أوباما خاصة على مطلبه الخاص باستئناف المفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية فى غضون عامين.
وفى هذا السياق، تشير الصحيفة إلى أن نتنياهو، الذى عاد إلى إسرائيل يوم الخميس، يواجه المعضلة الآتية : إذا خضع للمطالب الأمريكية، ستصبح أيام حكومته معدودة. لاسيما وأنه قد سبق ودفع فى 1999 ثمن تنازلاته للرئيس بيل كلينتون وتوقيع مذكرة "واى ريفر" مع عرفات عن طريق سقوط حكومته.
أى أن قيامه بتعليق تصاريح جديدة للبناء فى القدس الشرقية، وهو ما ليس مقبول لدى اليمين المتطرف وحتى جزء كبير من الليكود، قد يعنى نهاية حكومته الائتلافية.
أما إذا رفض الانصياع لمطالب الإدارة الأمريكية، فهذا يعنى على الأرجح تفاقم الأزمة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، بل قد يصل الأمر إلى اتخاذ الأمريكيين لتدابير إجبارية تجاه إسرائيل. خاصة وأن الحجة التى ساقتها الولايات المتحدة، والتى تقول إن التعنت الإسرائيلى وتجميد الملف الإسرائيلى الفلسطينى يهدد مصالح أمريكا فى الشرق الأوسط وأرواح جنودها، تمنح أوباما نقطة أخرى لزيادة الضغط على إسرائيل. وبالتالى فمن المرجح أن نتانياهو سيحاول إقناع شركائه فى "شاس" و"إسرائيل بيتنا" بضرورة استرضاء واشنطن عن طريق اتخاذ تدابير ملموسة. لاسيما وأن واشنطن لم تعد على استعداد بالاكتفاء بتنازلات صورية.
وتخلص الصحيفة إلى أن نتانياهو لم يكن مخطئا تماما عندما قال إن تجميد المستوطنات، حتى ولو كان جزئيا، قرارا لم يتخذه أى من سابقيه. لكن الأمريكيين يشكون الآن فى صدقه. ومن ثم فإن سقوط حكومته واستبداله بتسيبى ليفنى سوف يكون مما لا شك فيه أمرا ستستقبله واشنطن واشنطن دون أسف.
