فى الوقت الذى ركن فيه مديرو العديد من القطاعات الاقتصادية والخدمية فى منطقتنا العربية إلى السكون، ظنا منهم أن انخفاض أسعار السلع والمواد الأولية والمحاصيل الزراعية والمعادن سيستمر إلى ما لا نهاية عقب الأزمة المالية العالمية، سيطرت حالة من الرعب على أسواق السلع الأولية العالمية فى أعقاب ظهور بوادر انتعاش اقتصادى ومالى انعكس بالإيجاب على القطاع المصرفى، خاصة الأوروبى، بخلاف البنوك الأمريكية التى تسعى للخروج من عثرة الإفلاس والديون. وتصاعدت مخاوف الدوائر الاقتصادية العالمية من زيادة أسعار السلع الأساسية بما فى ذلك المعادن والمواد الغذائية، عقب ما كشف عنه بنك يو بى إس السويسرى الاستثمارى العملاق مؤخرا عن اعتزامه العودة للاستثمار فى السلع مجددا خلال العام الحالى، بعدما توقف البنك عن هذا النشاط الاستثمارى بفعل الأزمة المالية العالمية. وكان البنك قد توقف عن ضخ أموال فى نشاط السلع والمعادن الثمينة والنفط والمحاصيل، والمضاربة عليها فى الأسواق والبورصات العالمية شأنه فى ذلك شأن العديد من البنوك والصناديق الاستثمارية عقب الأزمة المالية العالمية، وذلك لانشغال المؤسسات المالية فى تغطية مراكزها المالية لحصر الخسائر من النشاط العقارى والقروض الرديئة التى تحملتها تلك المؤسسات المالية. وبهذا إنضم يو بى إس لمنافسة كل من بنكى أوف أمريكا، وكريدى سويس، على كعكة الاستثمارات فى مجال السلع وذلك بعد تقليص خسائرهما من جراء شراء الديون الرديئة العقارية وتمويل النشاط العقارى وخسائر المشتقات.
وقد يقول البعض ومالنا ومال يو بى إس، وكريدى سويس، والجواب ببساطة أن هذه المصارف العملاقة التى تتجاوز استثماراتها مئات المليارات بما يفوق الموازنات السنوية لعشرات الدول النامية مجتمعة، ستدخل فى سوق الطلب العالمى على السلع مجددا بهدف المضاربة وليس الاستهلاك كما تفعل الدول والتجار العاديون، والأدهى أن هذه المصارف بكل هذا الثقل الاستثمارى، تشترى بنظام العقود الآجلة فى بورصات السلع والمعادن العالمية، وهو ما يعنى انها تتفق على شراء المحاصيل قبل وأثناء زراعتها، وهو ما يشير إلى أن جنة الأسعار المنخفضة للمحاصيل والمواد الغذائية الحالية التى ننعم بها لن تستمر طويلا، وسنعود مرة أخرى للهيب الأسعار، ولكن هذه المرة تحت الظروف الصعبة وتأثيرات الأزمة المالية العالمية التى ظن معظم المنظرين الاقتصاديين أننا قد تجاوزناها لمجرد أن اقتصاداتنا العربية لم تنخرط فى الاقتصاد العالمى إلى حد بعيد!
وقد قرأت قبل أيام لأحد أشهر الخبراء العالميين فى إجراء دراسات وأبحاث السوق وهو الأمريكى بيتر ماركوس مقالا توقع فيه انفجاراً فى أسعار جميع منتجات الصلب عالميا مع مطلع يونيو القادم، وبنى ماركوس نظريته على أساس أسعار الطاقة والخامات الباهظة الثمن حالياً فى الدول الكبرى المنتجة أمثال الصين والهند وكوريا الجنوبية وأوكرانيا وكذا ارتفاع أسعار الخردة بما فيها الولايات المتحدة الامريكية.
وتوقع الخبير الامريكى أن تؤدى زيادة الإنتاج لمقابلة ارتفاع الطلب إلى استمرار النمو القوى فى سوق الصلب والمعادن بشكل عام مدفوعاً بارتفاع الاستهلاك الإنفاقى ونشاط قطاعات البناء والتشييد والاتصالات والتجارة. وهو ما يعنى فى النهاية عزاء لبعض القطاعات التى من المتوقع نشاطها فى دول عربية عديدة ولكن الخسائر ستكون بشكل أكبر على المستهلك النهائى الذى سيكون عليه تحمل فاتورة باهظة من ارتفاع أسعار السلع عالمياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة