الحكومة الإسرائيلية الحالية، حكومة نتانياهو وليبرمان، حكومة ضعيفة فى الداخل والخارج برأى المطلعين، ففى الداخل يعمل كل طرف من أطرافها، وهم يمثلون كل ألوان الطيف السياسى الإسرائيلى من يمين صاعد ويسار هابط، وبجدية تامة على كسب ناخب لها فى الانتخابات البرلمانية القادمة فقط، فالحكومة قد تسقط فى أى وقت بخروج أى طرف من هذه الأطراف المتصارعة فيما بينها، لتعود الكرة لرجل الشارع ليقرر من يحكم إسرائيل من جديد، وهذا سر ضعفها الأول والأخير، وهو أيضًا ما يميز "الديمقراطية الإسرائيلية بشكل عام، فرجل الشارع الإسرائيلى -وكما هو معروف عنه- لا يهتم بالسياسة الدولية، لذلك يتجه رجل السياسة الإسرائيلى - على هذا المنوال ليحبز ما يثير انتباه ناخبه التقليدى بالإضافة إلى الناخب المحتمل، والأخير عامل مقرر آخر يجرى العمل على كسبه وسط حشد ممن يطلق عليه علماء السياسة والاجتماع بالمذبذب من جمهور الناخبين، والذين يتخذون قرارهم بانتخاب هذا أو ذاك من الأحزاب والكتل فى اللحظة الأخيرة، مما يجعل العملية السياسية فى إسرائيل غاية فى التعقيد، ومع تتبع التصريحات المستفزة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، نتانياهو، نلاحظ فيها طلبه المستمر للصراع مع العالم كله، وهى التصريحات الموجهة للداخل والتى لا تخدم الصالح الإسرائيلى كدولة بقدر ما تخدم حزبه وقائمة الليكود، كذلك الأمر بخصوص تصريحات وزير العمل والخدمات الاجتماعية والممثل لحزب شاس الشرقى المتدين، إيللى يشاى، وهو الذى يمثل القطاع السكانى اليهودى المتدين والمصمم على تهويد القدس بأكبر قدر من مشاريع المبانى وبأقصى سرعة ممكنة لمنع تقسيم المدينة المقدسة والالتفاف حول قرارات الشرعية الدولية من أن القدس الشرقية "محتلة"، وهذا مما يصب فى خانة حزبه، أما وزير الخارجية، أفيجدور ليبرمان، والغير عادى فى استفزازاته للعالم والغير دبلوماسى فى تصريحاته، فكتلته الحزبية تحمل اسم "إسرائيل بيتنا"، والاسم فى حد ذاته برنامج متكامل لجمهور مهووس بالصهيونية وبالدولة اليهودية، وناخبه التقليدى هو يهودى مهاجر إلى إسرائيل من روسيا، أو مما كانوا يطلقون عليه "بجحيم الشيوعية"، ليكون شعارهم فى بلدهم العقائدى الجديد هو "أن ما عاصرناه فى روسيا لا يجب أن يتكرر معنا فى الشرق الأوسط، وما نقوم به من هجوم هو دفاع عن النفس وسط بحر من العداء العربى وتعاطف العالم معه ضد اليهود"، وعلى هذا فالوزير ليبرمان لايرى أنه يستفز أحدًا بل يدافع عن نفسه، فالسلام مع العرب والفلسطينيين لا يحتاج إلى تنازله عن أرض يعتقد جازمًا بأنها له، وهو لا يحتاج إلى سلام يخص العرب، حيث إن عليهم الاحتفاظ به كما هو مع الأرض، وبذلك يدعو لحزبه "إسرائيل بيتنا" من أعلى مناصب وزارة الخارجية الإسرائيلية ليسمع صوته فى إسرائيل أولاً ثم فى العالم أجمع – ولا تعليق، فهذا هو الواقع السياسى فى إسرائيل.
ولنعود مرة أخرى لنسجل بأن الأحزاب المتنافسة - هنا على الداخل الإسرائيلى- تعمل فى النهاية على خدمة هدف واحد فقط، وهو الصالح الصهيونى العام، وهو بالنهاية -وكما يروه جميعًا أيضًا- مجزء على الحزبية والأحزاب، فمحصلة الصراع الحزبى الداخلى على كمال الهدف الصهيونى هو بناء الدولة على طريقة: "المخلص يتنافس ضد الآخر على تقديم الأكثر لها"، وهنا لا يحتاج الأمر لا للعقل ولا للتعقل، طالما كان الأمر لا يتعلق بالناخب الإسرائيلى (مع حذف الناخب العربى الممثل للأصوات الغير صهيونية)، المفترض فيه الولاء التام للمبادئ الصهيونية، وكلها تصب بشكل أو بآخر أيضًا فى مصلحة الدولة- والدولة فقط.
أما عن الفلسطينيين والعالم العربى والخارجى فلا قيمة لهم جميعًا فى حسابات ساسة الداخل الإسرائيلى- الصهاينة بالوسيلة والهدف، فعلى العالم استيعاب الدرس تلى الدرس فى سرعة مقدرة من الطرف صاحب المبادرة، وهو دائمًا ما يكون الطرف الإسرائيلى، والذى يستخدم لذلك سيناريو لحوارات مجزئة، يكون الرد عليها فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا بالإحتجاج ليكون بعدها الشجب والاستنكار فالإدانة الذى يصل فى بعض الأحيان إلى سحب السفراء وإغلاق المكاتب التجارية عربيًا ولفترة محسوبة ليعودوا بعدها مع تهدئة رجل الشارع، حتى ينتهى الأمر ليعود على ما كان عليه، وكأنه ما كان بالمرة، ومن الأمثلة الأخيرة على الحوارات المجزئة الشاغلة للعالم - بما يتضمنه من عرب وفلسطينيين – هو حوار اغتيال محمود المبحوح فى دبى بفريق اغتيالات ذاعت صور أفراده فى العالم أجمع وبرزت مشكلة دولية فى هذا الخصوص باستخدام القتلة لجوازات سفر لدول أوربية صديقة لإسرائيل – لينتهى الأمر وكأنه ما كان بالمرة، ليتبعه حوار المباحثات الغير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبالبدء بها من نقطة الصفر لا من حيث انتهوا، ومع الموافقة العربية والفلسطينيية على هذا بالضغط الأمريكى بالطبع، يثور الحوار المتمم لكل الحوارات وهو ماكان فى شكل "إساءة لنائب الرئيس الأمريكى" خلال زيارته لإسرائيل، بإعلان المشاغبين وعن قصد تام لمشاريع بناء استفزازية فى القدس المحتلة، ومع كل من هذه الحوارات العنيفة والمهينة تخرج إسرائيل منتصرة، فهى إذن سياسة دولة علينا فهمها واستيعاب دروسها، وهى برأيى لن تنتهى طالما كان العالم الشريك فى حل القضية المعلقة مع "أولاد العم" يكيل بمكيالين، واحد لنا يملؤه الخزى والعار، والآخر لهم يزيد لهم على الصداقة ضمان الأمن على حساب أمننا وأراضينا ومياهنا وأرواح أولادنا ومستقبلهم، ويزيد عليه إجبارنا على السكوت والخضوع والخنوع لقبول هذا الكيل، لينتهى بكسبهم المقصود لكل ما نخسره، وهو كثير، فكل خسارة وأنتم بخير!
* استاذ علوم سياسية بجامعة انسبروك بالنمسا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة