أصابنى شىء من العجب والخيلاء عندما دق جرس بيتى ابن جارى الأستاذ شحاتة وهو يلهث، وتبينت من كلماته المتقطعة المختلطة بأنفاسه أنه يريدنى أن أحول القنوات إلى قناة المحور، ويبشرنى بأن مقالاتى عن صندوق البطالة أتت بثمرة سريعة، وأن المذيع معتز الدمرداش يبث الخبر عن منح العاطلين بدل بطالة بين كل فاصل وفاصل، وما أكثر الفواصل فى برنامج 90 دقيقة، ويبدو أنهم سيغيرون اسمه لتسعين فاصل ونعود، وأوعوا تروحوا لمكان تانى. وعدوت بسرعة، وعدلت القناة وتركت الباب مفتوحاً، فدخل ابن جارتى الممرضة الست فتحية، وابن جارى الأستاذ عبد ربو اللى دماغه زى الأتو، وأبناء جيرانى سكان السطوح، مؤمن، ووليد، وحسن، وسكان البدروم ومن جيرانى فى البيت المقابل، والذين يعرفون أننى أكتب دائماً عن البطالة، ولما كان الوقت متأخراً، وأعرف وأجزم أن معظم روادى جوعى، فهم غالباً لا يعرفون وجبة العشاء، وكان عندى فى هذه الليلة كمية من الفول المدمس لا بأس بها، فهرعت للمطبخ المتواضع وسخنت الفول قليلاً وجمعت ارغفة الخبز المألوف لنا نحن أبناء الطبقة التى كانت متوسطة، ووضعتها أمام الضيوف، وما إن كسر كل منهم كسرته حتى انتهى الفاصل، وبدأت الفقرة، فتوقف الجميع عن الكلام وكأن على رؤوسهم الطير وبعد الحوار الذى تابعه 12 مليونا من العاطلين، ألقى كل ضيوفى بكسرات الخبز المألوف فى صحن الفول الغارق فى زيت التموين المعروف، وخرج بلا سلام ولا كلام والسلام ختام، من طرف أخيكم الذى ضيع فى الأوهام مقالاته وعمره.
إسماعيل كاشف
باحث تربوى