صدر عن الدّار المصرية اللبنانية ومشروع "كلمة" للترجمة كتاب جديد بعنوان "تشيسواف ميووش" أشعار مختارة من دواوينه، وهى مختارات من أكثر من عشرة دواوين لأهم شاعر بولندى فى القرن العشرين، بترجمة: محمد هناء عبد الفتاح ودوروتا متولى، عن البولندية مباشرة وهما مترجمان معروفان بقربهما الشديد من هذه اللغة، كما تمرسا باللغة الشعرية الرمزية الصعبة "لميووش"، وهى لغة غير مألوفة للقارئ العربى.
يقع الكتاب فى 350 صفحة من القطع الكبير، فى طبعة أنيقة تميزت بها كتب المشروع المشتركة بين الدّار المصرية اللبنانية فى القاهرة وبيروت وبين المشروع الرائد "كلمة" الذى يتيح كبار الأدباء فى العالم للقارئ العربى وبترجمة مباشرة عن اللغة الأصلية، قبل الدخول إلى عالم "ميووش" الشعرى، بلغته المتميزة وموضوعاته الحياتية والروحية، وقد وصف من قبل معاصريه ودارسيه بأنه شاعر الحلول فى الطبيعة، وشاعر الأشواق والتطلعات الإنسانية بالدرجة الأولى، فضلاً عن كونه شاعر التمثل العصرى لتراث الإنسانية الشعرى فى آدابها الكبرى تمثلاً يتوهج بالمعرفة الحية والسخرية العميقة، ويأس للمصير الإنسانى المحكوم بحتمية الميلاد والموت، قبل الدخول إلى هذا العالم الغنى والفريد، يبدأ الكتاب المختارات، بمقدمتين الأولى بقلم الشاعر نفسه، والثانية بقلم المترجمين.
ففى مقدمته لمختاراته يعطينا "ميووش" درسًا بليغًا فى الحفاظ على لغة الوطن الأم، مهما عاش الشاعر فى بلاد غريبة، فهو برغم إقامته الطويلة فى أمريكا، وترجمته لأغلب الشعر البولندى إلى اللغة الإنجليزية، فإنه رفض أن يكتب قصائده ورواياته وهو فى أمريكا إلاًّ باللغة البولندية، حيث يرى أن الشعر يمكن كتابته فقط بلغة الشاعر التى تعلمها فى طفولته ولهذا لم يغيِّر لغته فى الكتابة أبدًا، وعندما شعر بأنه يريد توسيع قاعدة قرائه لتمتد إلى الناطقين باللغة الإنجليزية قام بترجمة شعره من لغته الأم إلى لغة القراء بالإنجليزية، وقد اشتهر بأنه أهم مترجم للأدب البولندى إلى تلك اللغة، واكتسب فى هذا السياق احترام كل القراء والنقاد فى أمريكا وفى غيرها من دول أوروبا، حتى توّج عطاؤه بالحصول على جائزة نوبل فى الآداب عام 1980م، وأشرك فى هذه الترجمة لشعره ثلاثة من أهم تلاميذه المتخصصين فى اللغة البولندية وآدابها، لكن الترجمة الأهم لإشعاره تمت عام 1980عام حصوله على جائزة نوبل، ويحكى "ميووش" رحلة ترجمة أشعاره للإنجليزية وهو الشاعر المغرم بسيرته واستند إليها كثيرًا فى شعره حتى أنها شكلت إحدى المنطلقات الأساسية لعالمه الشعرى.
فضلاً عن مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لأى شاعر فى العالم وهى وجود شعره فى لغتين والتى يصفها "ميووش" بأنها تجربة ثمينة تسمح للمرء بأن يتيقن كم هى متنوعة ردود أفعال القارئ نحو كلمات وأبيات شعر بعينها.
أما مقدمة المترجمين فوقفت وباستفاضة أمام عالم هذا الشاعر الفذ، والمناخ الاجتماعى والثقافى والسياسى الذى شكل خلفيته الأدبية وأسهم فيما هو عليه من قامة وقيمة شعرية وتأثير طفولته عليه وارتباطه بمدينة ليتوانيا بجمالها الطبيعى.
كما يقفان أمام أهم المحطات فى رحلة "ميووش" الشعرية وأهم دواوينه وترتيبها الزمنى، حتى جاءت نوبل لتضعه ضمن كوكبة أهم الشعراء فى العالم، وبعدها قرر العودة إلى وطنه عام 1992، بعد اثنين وخمسين عامًا من الهجرة، ليحصد العديد من الجوائز الوطنية والدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة