كان من حظى أننى التحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة عام 88 وكانت الجامعة مازالت حتى وقتها بها بقايا نشاطات سياسية واجتماعية وثقافية، كنت وزملائى من المهتمين والحالمين بالصحافة نشارك فى أغلب النشاطات والمطبوعات الصحفية التى تصدر فى الكليات المختلفة، ونقضى أغلب أوقاتنا متنقلين بين مدرجات كلية الإعلام وتجمعات كلية الآداب ونشاطات كلية الحقوق.
وكنا نطلق على كلية الآداب كلية "الكعب العالى" تقديرا من أبناء جيلى من طلبة الحقوق لاهتمام طالبات كلية الآداب بأنفسهن طوال فترة وجودهن بالجامعة، دائما كن فى غاية الأناقة ونادرا ما كانت تصادفنا فتاة محجبة، وإذا وجدناها صدفة تكون أيضا فى نفس مستوى غير المحجبات من الاهتمام والعناية بنفسها.
وبعد التخرج فى أوائل التسعينات انقطعت صلتى بالجامعة للأسف ومرت سنوات طويلة جدا حتى اضطررت قبل أيام بإلحاح من زوجتى أن أذهب نيابة عنها لكلية الآداب، حيث كانت دراستها لاستخرج لها نسخة من شهاداتها الدراسية، وبقدر ما كانت صدمتى عموما فى شكل الحرم الجامعى الذى شعرت أنه أقل وقارا وبريقا عما كانت سنوات دراستنا، فإن صدمتى الأكبر عندما ذهبت لكلية الآداب لأستخرج شهادة زوجتى، حيث وجدت نفسى محاطا بكم لا حصر له من الفتيات المحجبات حتى شعرت للحظات أننى فى جامعة الأزهر، وليس فى كلية محتوى كلياتها الأساسية يقوم على دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وبدأت أبحث عن فتاة واحدة غير محجبة بين كل من صادفتهم عيناى خلال الوقت الذى قضيته فى انتظار ما أتيت من أجله وللأسف نادرا ما كنت أجد بين كل الطالبات طالبة غير محجبة، بالتأكيد لست ضد الحجاب فهو حرية شخصية لصاحبته، ولكن ما جعلنى فى شدة القلق على مستقبل الأجيال الجديدة من هؤلاء الطلاب، بالإضافة لإحساسى بأن أغلبهن يرتدين الحجاب تماشيا وراء الروح العامة السائدة فى المجتمع، هو افتقاد أغلبهن للذوق العام وإهدار قيمة التنوع الفكرى والثقافى الذى كان سائدا لسنوات وحافظ للمجتمع المصرى على حيويته، أعلم تماما أن الحجاب فى مصر عموما أصبح شيئا أساسيا فى حياة الكثيرين بغض النظر عن درجة تدينهم، ولكم ما أخشاه ألا يكون الحجاب فى كلية الآداب قد تخطى الشكل وسيطر على العقل.
• كاتب صحفى بالأهرام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة