محمد بياض يكتب.. نشأتنا ونشأتهم

الأربعاء، 24 مارس 2010 09:08 م
 محمد بياض يكتب.. نشأتنا ونشأتهم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عصر تتركز كل محاولات تعريفه واعتماده على مكونات التربية وليس مجرد التعليم أصبح التفكير فى مسألة((ثقافة الطفل)) أو تثقيف الأطفال واجبا استراتيجيا وطنيا وقوميا ولحساب المستقبل من جهة وإنسانيا لحساب البناء الواعى لعلاقات متوازنة وصعبة بين أمتنا وبين جذورها من منظور زمانى فى جانب وبينها وبين الآخرين من منظور كوكبى (مكانى) فى الجانب الآخر وبتعبير أكثر تحديدا فى عصر تتركز تعريفاته على أنه عصر الثورة المعرفية أو المعلوماتية أو الاتصالية أو الثقافية أو العلمية والتكنولوجية، عصر تنهمر فيه المعارف والمعلومات مصورة ومنطوقة ومطبوعة ولكنها أيضا موجهة ومضبوطة نحو أهداف بعينها تجارية(تسويقية) أو أيدلوجية أو حتى تعليمية موضوعية_ويستخدم من يوفرونها كل وسائط التوصيل ووسائل النشر منفردة أو متضافرة ومجمعة فى مثل هذا العصر يصعب أن نتصور طفلا معزولا عن هذا الانهمار المعرض المعلوماتى_ الضاغط بل المكتسح المتضارب المكونات والتوجهات خاصة مع التوسع المتواصل لما يمكن تسميته بالانفتاح الاجتماعى أى زوال الحواجز الاجتماعية بين فئات المجتمعات الطبقية والسكانية والعمرية والجنسية، الأمر الذى يجعل الأطفال أهدافا طبيعية وعادية مثل الكبار تماما أو أكثر منهم لذات طوفان الانهمار المعرفى والمعلوماتى الضاغط والمكتسح فى مثل هذا العصر يصبح التفكير فى مسألة ثقافة أو تثقيف الأطفال مسألة تتعلق بجوهر وأساس السياسة أو الإستراتيجية التعليمية والتربوية والثقافية والوطنية والتنموية والدفاعية أو المناعية للأمة ضمانا لمستقبلها ولعلاقتها المتوازية الواعية بأصولها ومكوناتها الأصلية والمتطورة والمستحدثة بالآخرين.
إن انكشاف العالم أمام الطفل أو انكشاف الطفل وانفتاحه على العالم أى مكونات الواقع المادى المحسوس وعلى كل الأفكار والقيم الاقتصادية يفرض فى عصرنا أن تتلخى إستراتيجيتنا الثقافية فى قطاعها الخاص بالأطفال عن فكرة أو مبدأ سذاجة الطفل وبراءته وأن تتمسك فى الوقت ذاته بمبدأ بناء وعى الطفل، وعيه بوصفه فردا مستقلا وبوصفه عضوا فى مجتمع معين يبدأ تكوينه بالأسرة ويصل إلى الوطن كله بكل مكوناته المادية والبشرية والمعنوية والقيمية، ووعيه بحقيقة التغير كمبدأ رئيسى يحكم العالم الاجتماعى من ناحية وبحقيقة قدرته كفرد وكعضو فى مجتمع على المشاركة فى توجيه التغيير لما فيه صالح مجتمعه وصالحه هو الشخص ووعيه بمسئولياته إزاء نفسه وإزاء الآخرين ومكونات العالم المحيط به وبمجتمعه.

فالطفل يتعرض عمليا لكل ما تحمله وسائل الاتصال من مواد بأنواعها وتوجهاتها وأنه مواطن صغير ينمو ليكون مواطنا كبيرا خلال سنوات قليلة ولابد من إعداده أى إعداد وعيه بشكل ملائم للتعامل العملى والنقدى والملتزم مع فيض متدفق من المعلومات والصور والأفكار المتضاربة والتوجهات والدلالات والمعانى والتى تستهدف غالبا عواطفه وغرائزه سبيلا أى وعيه لكى تشكله حسب مصالحها، وعلى ذلك فإن هدف إستراتيجيتنا ينبغى أن يكون هو وعى هذا المواطن الصغير أو الناشئ الذى ينطلق من دوافع له جذوره وأصوله ولكنه واقع متغير ونسبى يمتلك هو فيه مثل أقرانه ومواطنيه كلهم تماما حقوقا ويتحمل مثلهم جميعا إزاءه مسئوليات تتميز هى الأخرى بأنها متغيرة ونسبية وفقا لقوانين ملزمة ولكنها بدورها تخضع لتأثير إرادته وسط إرادة جماعية يملكها ويعبر عنها بمشاركته لمواطنيه وهو تأثير متغير ونسبى أيضا وبضرورة منطق الأشياء، ولكن ومع التأكيد على بديهية تغير ونسبية وأساليب تحقيق البناء التدريجى لمثل هذا الوعى لدى المواطن الصغير أهمية تلاحق مراحل نموه العمرى والإدراكى والمتتالية، وهى أساليب يتوافر بدون شك المتخصصون فيها لابد من التأكيد أيضا على أهمية الانتباه إلى دور وسائط الاتصال والتوصيل المتطورة الحديثة أى الميديا وتأثيرها الواسع إلى درجة تقترب من العشوائية مع استحالة التحكم فى نوع الجمهور المتلقى للرسائل المعرفية والمعلوماتية التى تبث تلك الوسائط التى تستخدم غالبا مواد ترفيهية وإعلانية تمتلئ بالكثير بما يمكن اعتباره رسائل معرفية أو معلوماتية أو تربوية من ناحية والتى لا يمكن حصر استهلاكها أو استقبالها فى مستوى عمرى أو إدراكى معين حتى تلك المواد التى قد تعتبرها تلك الوسائط موجهة إلى من نعتبرهم أطفالا فى مراحل مختلفة يفترض أن الطفل يتلقى باللغة القومية (العربية فى حالتنا) كل أو غالبية ما يحصله من معرفة من مراحل عمره المتتالية وحتى فى حالة أطفال (تلامذة) المدارس الأجنبية الذين يلزمون باستخدام اللغة الأساسية (المرجعية) لمدرستهم أثناء وجودهم داخلها فالراجح تماما أنهم يعودون إلى استخدام لغتهم الأم فى بيوتهم ونواديهم ومع جيرانهم بل وفيما بينهم أثناء لعبهم داخل المدرسة نفسها. إن البنية العميقة لوعى الطفل وتكوينه المعنوى والخلقى والسلوكى والاعتقادى لا تتكون إلا بالدلالات المرتبطة بمفردات اللغة الأم وتركيباتها وسياقاتها وإلا بما تحتويه تلك التركيبات والسياقات من آلية تفكير أو منطق خاص التكوين البنائى للغة الأفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث.... الخ وما تحتويه من دلالات.

والحقيقة التى تواجهها أجيالنا الجديدة باستمرار من خلال مصادر عدة للمعرفة معلومات كانت أو إدراكا هى أن الواقع لم يكن خالصا من الشوائب إلى هذا الحد وأحيانا يصل الأمر إلى اكتشاف أن الواقع ملىء بالتشوهات أو التقبيحات العادية التى ظهرت أو أصابت أى حضارة، واقع اجتماعى وثقافى وآخر.

وأن ذلك الواقع الذى يصور فى صورة مثالية إنما كان خاضعا كغيره للدواعى والعوامل البشرية الفردية والاجتماعية العادية.

إننا بحاجة إلى تحرير عقول نشأتنا من هذا المأزق الصعب مأزق شعورى ووجدانى وفكرى ينتهى إما بالجمود الفكرى الكامل برفض النقد ذاته والعقلانية كمنهج والموضوعية كأسلوب للتعامل مع الذات ومع العالم.

نحن بحاجة إلى تأسيس علاقة أجيالنا الناشئة بتاريخنا وبتراثنا القوميين على أساس من الشعور نمتلكها وبأننا نختارها بحرية ونملك تقدمها لكى ينتموا إليها فعلا انتماء المالكين لا انتماء الأرقاء الذين لا هم لهم سوى الفرار التقديس أو الاعتياد أو التكبير أو التصغير.. الخ.

اللغة الأم أذن بإجماع فلاسفة اللغة والمعرفة تقريبا هى ما يتكون منها جهاز المعرفة والتعرف لدى الإنسان سواء من جانب المعرفة والتعرف بوصفها معلومات أو بوصفها إدراكا أو إعادة إنتاج أو تصوير للمدركات والإدراك ذاته.

واعتقد أنه بدون تربية لغوية سليمة لأطفالنا باللغة القومية اللغة الأم فإن جهاز المعرفة لدى أجيالنا سوف يتدهور أو أنه سوف يزداد تدهورا على مستوى المجتمع والثقافة القومية بأسره.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة