الشاعر موسى حوامدة يكتب: احتفاءٌ... بلا أم

الأربعاء، 24 مارس 2010 02:33 م
الشاعر موسى حوامدة يكتب: احتفاءٌ... بلا أم الشاعر موسى حوامدة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والدتى...، يقول المتحضرون (أمى)، والمدلعون أكثر (ماما)، والأكثر ارستقراطية ودلعا (مامتى) أو (مامى)، أما أنا فأقول بالصوت المليان، أُمّى، بتشديد الميم سبعَ سنوات عجاف بعد رحيلها، وفى النداء عليها كنت أقول بصوت خشن (يَمَّا)، بفتح الياء طبعا وتشديد الميم ما بلغ التشديد.

كنت كبقية خلق الله، أو كبقية أبناء الله، وكلنا عيال الله كما يقول الحديث النبوى، كنت متعلقا بها، ليس ذلك التعلق المرضى، ربما فى البداية لم أكن أعرف قيمتها، لكننى كلما كنت أكبر، أدرك قيمتها أكثر، لقد كانت عالما مختلفا ومغايرا، عالما مليئا بالحنان والطيبة، لكل الناس وليس لأبنائها فقط، كانت تفيض سخاء وبشاشة بغير تكلف وتصنع.

سأكتب عنها، لكن كيف يمكن لى أن أكتب عنها بعد خسارتها هذه الخسارة المفاجئة والصادمة؟، كيف أعيد ترتيب كلماتى وذاكرتى وإقبالى ومنطلقى لأكتب عنها؟،
هل هناك ضرورة اليوم، وبعد سبع سنوات بلا.. والدين، أى بلا جذور، وبلا دعوات وجدار صلب أسند طيشى عليه، حاولت السنوات طمس صورتها ونسيانها، لكنى أتخيلها كأنها لم تمت، كأنها ما زالت على قيد الحنين والانتظار، على قيد الابتسامة العذبة التى لم تفارق شفتيها، لعل الكتابة اليوم عنها، ضرورة نفسية، وليست مناسبة تمر مع مرور الاحتفال بعيد الأم، على طريقة بعض أبناء المدارس فى شراء طنجرة ضغط، أو مايكروويف أو سلة ورود، فلم تعد هى بحاجة لهدايا، لا منى ولا من غيرى.

ما يحز فى نفسى بعد كل هذه السنوات، أننى لم أكن قريبا منها خلال أعياد الأم، ولم يخطر ببالى أنها تعرف هذه القصص، حتى جاء يوم ذكَّرتنى أنها تعرف عيد الأم، لا يحزننى أننى لم أقدم لها يوما هدية فى عيدها، فقد عشت بعيدا عنها، ولم أكن أتوقف عند هذه المناسبات، فأنا أكره الاحتفالات الساذجة، لكن يحزننى اليوم أننى لم أتعامل مع موتها حين وقع بما يليق، بولد صالح ورضى ومحب، بل جاء موتها هامشيا بعد موت والدى بأسبوعين، لم يكونا كافيين لترويض خزان الدموع، وخروجى من حالة التشتت التى وقعت فيها، بعد رحيله، فحين جاء نعيها، لم تكن الصدمة كافية لتطيح بوجودى كاملا، وبعقلى من جذوره وقد كان حدث موتها يستحق، لكن مجىء موتها بعد موته، أفقد حادث رحيلها طعمه أو بريقه، إن صح التعبير، أو فداحته. لقد اختلط الأمر على، يوم وفاتها المفاجئ، فهل أقيم مبكاة لوالدى الذى ظل متعلقاً بى إلى آخر نفس؟ أم أستعيد صورة أمى وهى تحثنى على الصبر والصمود، متعجبة من كونى بحاجة إلى أب، بعد أن تعديت الأربعين، "انتبه لأولادك، أبوك شبع من عمره، ولم يقصر معه أخوتك، إن موته أفضل له، لأنه تعب كثيرا فى الأيام الأخيرة، أنت لم تره، كل من رآه طلب الموت لراحته".

قلت لها وكان ذلك على الهاتف: لقد رأيت حلما غريبا، رأيت أن طاحونتى اليمنى أو بقايا طاحونة مهشمة تسقط فى باطن يدى اليمنى، ورأيت الطاحونة المقابلة لها أيضا، تسقط فى يدى اليسرى، مات أبى، فمن هى الطاحونة الثانية؟ أنا خائف عليك، فترد واثقة: لا يموت بنى آدم إلا فى ساعته، (دشرك) من الأحلام، انتبه لنفسك ولأولادك، نحن كبرنا بما فيه الكفاية، وأخذت تسأل عن الأولاد لتغير مجرى الحديث.
قلت لها: تعالى إلى عمان.

قالت لن أغادر الدار إلا بعد العدة، حسب الشرع يا (بنى)، قلت لها: تعالى أريد أن أشم رائحة أبى فيك، أريد أن ألثم يديك ووجهك، لقد حرمت من رؤية أبى وأريد أن أراك أنتِ، قالت: إذا ربنا أعطانا عمرا، وإذا كان لى نصيب.

سبع سنوات ولا أصدق أن يوما واحدا مر دون أن أتذكرها، وأراهما. أمى يجىء عيد الأم، فكيف أحتفل بك؟ كيف يمكن لمن فقد أماً أن يحتفل، أعرف أنك ستقولين: لا تهمنى هذه المناسبات، ويسعدنى أن تكون موفقا ومحبوبا وسعيدا، لم تنتبه لهذا اليوم وأنا حية، أبعد كل هذه السنوات تذكر أن لى عيدا؟

شاعر وناقد فلسطينى يقيم بالأردن.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة