خالد صلاح

إعلان البيعة للإمام الأكبر

الأربعاء، 24 مارس 2010 02:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن العدد الإسبوعى

هذا الرجل فيلسوف ومفكر، يؤمن بالحداثة والتنوير، ويثق فى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يشاد الدين أحد إلا غلبه، وهذا الرجل يعرف ثغرات الأمة، ونقاط الضعف والقوة، فى الحاضر وفى التاريخ، ويطمئن قلبه بأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وهذا الرجل يؤمن بالحوار، ويعمل على تأصيل فقه التجديد فى الخطاب الدينى المعاصر، ويعرف روح النصوص قبل حروفها، وسماحة الإسلام قبل حدوده، ورحابة الرحمن من فوق سبع سماوات قبل بطشه الرادع وعقابه الشديد.

إننى أنحاز بضمير حر وبإرادة مطلقة لمولانا الإمام الأكبر فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الجديد، أنحاز لرجل، أعرف عنه أنه لم يكره فى حياته شيئا أكثر من المناصب والمواقع والنياشين، وأنه لو سمح له بالاختيار، لكان قراره بأن يعبد الله فى محرابه وحده بلا جاه أو سلطة فى قريته الوادعة فى قلب الصعيد، أنحاز لرجل أعرف عنه، أن ما بينه وبين السماء من أسرار روحية، أكثر مما يظهره هو على الناس فى الأرض، وأنحاز لرجل أعرف عنه أنه يتحسر على حال الأمة فى صمت، ويمتنع عن المتاجرة باسم ما فتح الله به عليه من العلم، وما امتلأ به قلبه من وحدانية وعمل واجتهاد.

من ذا الذى يستطيع إطلاق مسيرة تجديد الخطاب الدينى أكثر من عالم درس العقيدة والفلسفة معا، وقارن بعلم ووعى وعمق بين الفلسفة الإسلامية والماركسية فى دراسات فريدة، وحرر مؤلفات فى المنطق، واجتهد فى أبحاث علمية بروح نقدية لقامات فلسفية خالدة فى التاريخ الإسلامى؟

ومن ذا الذى يمكنه تأصيل السماحة ومبارزة التطرف والغلو أكثر من رجل يملؤه صفاء التصوف، ويعرف أن الله ينظر إلى القلوب لا الوجوه، ويحاسب على النوايا لا على الحناجر، وأوحى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأن يؤسس للتعايش للمرة الأولى فى دستور دولة المدينة؟

ومن ذا الذى يستطيع إطلاق حوار بين الإسلام والغرب، والإسلام والمسيحية، والإسلام والعالم أجمع، أكثر من رجل اطلع على ثقافة الغرب وأبحر فى النظريات التى تأسست عليها الثقافة الغربية، ويدرك أن العالم أجمع فى محيط دعوته، وأن الله جعل هذا الدين خاتما لكل الرسالات ليكون منارة للأرض، لا نارا لكى تحرق الأرض ومن عليها؟

كل مؤهلات الإمام الأكبر وتاريخه العلمى ومساره الفكرى ورحلته فى دار الإفتاء ثم فى جامعة الأزهر، تغرينى بأن أدعو كل المؤمنين بسماحة هذا الدين، وكل الراغبين فى أن تنطلق مسيرة التجديد والتطور لإعلان البيعة الروحية والعملية للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والسعى لمساندته بالقول والعمل، فى واحدة من أكثر المهمات إلحاحا على أجندة مصر، وهى أن يكون الدين عونا على تحقيق الدولة المدنية، لا سلكا شائكا يخيف به المتطرفون كل من يقترب من مفاهيم الحداثة.

نعم، هذا الرجل يمتلك كل المؤهلات التى تقودنا حتما إلى هذا الطريق، لكنه لا يمتلك عصا موسى يضرب بها الحجر فتنفجر اثنتا عشرة عينا، نعم، هذا الرجل يعرف معالم الطريق، لكنه لا يستطيع أن يدعو الله فينزل علينا الملائكة لتمشى فى الأسواق، وتظهر الحق، وتزهق الباطل فى غمضة عين، الإمام الأكبر يمتلك فى جنبات روحه وعقله هذا المشروع للتجديد، لكنه يحتاج أيضا لمن يعتصم بحبل الله خلف هذا التجديد بإيمان كامل بأن لكل عصر روحه وفكره وفتاواه، ولكل مرحلة رجالها وأفكارها وتحدياتها التى ينبغى أن تواجهها الأمة بروح جديدة وبعقل مختلف.

أثق أن الإمام الأكبر يعرف أين يكمن الخلل فى الخطاب الدينى، وأين يستقر الحل أيضا، لكننى أعرف أن الإمام الأكبر يعرف أن الطريق أصعب مما قد يظنه البعض، فلا أريد له بما يعرفه من المشقة مسبقا أن يتفادى بروحه الصوفية الوادعة مواجهات قد كتبها الله عليه، أو معارك قد تفرضها قوى التشدد على مسيرته داخل أو خارج الأزهر، ولذلك أدعو مقدما وقبل أن تبدأ مواجهات محتملة أو ضربات خاطفة، أن يلتف حوله كل من يكره قلبه أن يستخدم الإسلام شعارا لتضليل الناس، أو أن يستخدم الدين درعا للمطامع السياسية، أو أن تستخدم نصوص هذا الدين لقتل روح التسامح والحوار والتعايش والعدالة والمواطنة. هذه معركة شاقة ربما يستعد لها الآن شيخ الأزهر الجديد، لكنها معركة لن ينتصر فيها التجديد، ولن تعلو فيها الحداثة والمدنية إن تركناه يخوض غمارها وحده، نحن فى حاجة إلى هذا الرجل الآن بنفس القدر الذى يحتاج هو فيه كل امرأة ورجل من بيننا. مولانا الإمام الأكبر، أنا أبايعك على هذه المسيرة، والله وروح هذا الدين وعدالته وسماحته وقدرته على الحوار والتمدن من وراء القصد.












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة