د. عادل السيد يكتب: الموساد من الداخل.. وأسرار عملية اغتيال "المبحوح"

الثلاثاء، 23 مارس 2010 08:04 م
د. عادل السيد يكتب: الموساد من الداخل.. وأسرار عملية اغتيال "المبحوح"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مر اغتيال الناشط الفلسطينى المنتمى لحركة حماس، محمود عبد الرءوف المبحوح، مرور الكرام على الساحة الثقافية والسياسية العربية، وفضل الكثير من المثقفين العرب، على الأقل فى مصر، معالجة قضايا داخلية أخرى، قد لا تقل فى رأيهم أهمية عن هذا الموضوع الذى تم بواسطة فريق تصفية جسدية إسرائيلى، لم تقم إسرائيل حتى الآن ولن تقوم كاعادتها بإعلان مسئوليتها المباشرة عنه.

والاغتيال محسوب بالطبع على جهاز الموساد الذى استخدم فيه - وفق التقارير الواردة من دبى - فريق من 29 فردًا، دخلوها بصفة السياحة حاملين لجوازات سفر أوربية، دون علم أصحابها الأصليين، وهم مهاجرون جدد أتوا مؤخرًا إلى إسرائيل من دول أوروبية غربية، لها علاقات وثيقة بدولة الإمارات العربية، مثل إنجلترا وأيرلندا وفرنسا وألمانيا، وكان اتصال أفراد فريق الاغتيال ببعضه البعض يتم باستخدام هواتف نمساوية محمولة وغير مسجلة تعمل بنظام البطاقات، مما قد يعنى أن العملية قد تم التخطيط لها من عدة أجهزة، منها وزارة الداخلية – إدارة الهجرة وإدارة السجون، حيث قدمت الأولى جوازات سفرالمهاجرين الجدد وقدمت الثانية معلومات قيمة عن الهدف القتيل (محمود المبحوح)، جرى اصطيادها بواسطة جهاز الاستخبارات الداخلية المعرف باسم (شين بيت) أو (الشاباك)، من مساجين فلسطينيين ينتمون لمنظمة فتح، إما بإرادتهم الشخصية أو خلسة عبر التصنت على أحاديثهم بعملاء من بينهم للجهاز أو غيرتها من الطرق، وقد يعنى ذلك أيضًا اشتراك وزارة الدفاع مع وزارة الخارجية فى العملية، لتقدما وتسهلا وسيلة المواصلات للفريق القادم من عدد كبير من الدول الغربية والعربية على الأكثر، إمعانًا فى التعمية. واشتراك وزارة الخارجية الإسرائيلية فى العملية أمر قد يكون من المؤكد، لتقديم الهواتف النمساوية بواسطة (قسم الاتصال) الموجود بسفارة إسرائيل بالنمسا، ووزارة البنى التحتية والتى يمكن لها أن تكون قد قدمت الغطاء اللازم بزيارة وزيرها، لانداو، وفى وقت موافق لعملية الاغتيال لدولة الإمارات، حيث اشترك بوفد كبير العدد، كعادة الوفود الإسرائيلية فى تلبية دعوة الاشتراك فى مؤتمرات فى دول ليست لها علاقات رسمية مع دولة إسرائيل - وبناء على ضغوط أمريكية.

وقد يكون كل ذلك احتمالا وتخمينا من احتمالات وتخمينات لا تعد ولا تحصى، لنعود فنطرح سؤالاً مهمًا، عما يعرفه العامة والمتخصصون فى الشأن الإسرائيلى، عن جهازالموساد الذى قام أفراده، بلا أدنى شك - بتنفيذ اغتيال محمود المبحوح؟

وقد تكون من الغرابة بمكان أن نعرف أن الثورة الإيرانية قد ساهمت مساهمة كبيرة فى كشف بنية الموساد ومناطق عمله وتمركزه فى العالم العربى وخارجه، وهى المعلومات الوحيدة المتوافرة فى العالم كله (حتى الآن) عن بنية الموساد ومكوناتها الداخلية والخارجية، عدا عن التخصصات والعدد الاحتمالى للعاملين بها ومناطق عملهم. ويرجع الفضل لهذا الكشف المذهل للطلبة الإيرانيين الذين احتلوا السفارة الأمريكية فى طهران مع الثورة الإيرانية عام 1979، قبل أن يجعلوا منها أول سفارة لدولة فلسطين فى الجمهورية الإسلامية، وباستيلائهم على السفارة الأمريكية استولوا أيضًا على مكاتب جهاز المخابرات الأمريكية CIA الموجودة داخلها، بما بها من جبال من الوثائق والمستندات، ليكتشفوا بينها ملفًا كاملاً مكتملاً، كان الجهاز الأمريكى قد أعده عن جهاز الموساد الإسرائيلي الذى كان ينافسه فى الفوز بقلب ورضاء الشاه الراحل، ليقوم الطلبة الإيرانيون بعد دراسة الملف بإذاعته فى مؤتمر صحفى عام على العالم أجمع، حيث عُدَّ ذلك لهم وبالتأكيد، ثأرًا طال انتظاره، بل والعمل وبحرفية بالغة على أن يتم وبخسارة كبيرة على الجانب الإسرائيلى والأمريكى أيضًا، حيث إن جهاز الموساد الإسرائيلى كان قد قام ببناء (وليس فقط الاشتراك فى تأسيس وإنشاء) جهاز المخابرات الإيرانى البشع، السافاك، والذى استخدمه شاه إيران المخلوع، والمدفون بمسجد الرفاعى بالقاهرة، فى تكبيل وسحل وقهر الشعب الإيرانى كله، حيث لم يقتصر ذلك على المعارضة اليسارية العلمانية والإسلامية الدينية الناشطة وقتها فقط، بل اشتمل على كل إمكانية لقيام شكل ما لمعارضة ما للشاه الأسطورى، حتى ولو فى كان ذلك ممثل فى شكل حلم فى سرير دافئ، فالأجهزة الإيرانية والمدعومة من جهاز الموساد الإسرائيلى كانت ترصد حتى أحلام الإيرانيين، كما روى لى أحد نشطاء حزب (توده) وبالتفصيل الساخر، كعادة المعارضين فى العالم كله.

وقبل أن أفرد هنا لما أفشاه الإيرانيون عن بنية جهاز الموساد، أود هنا أن أعطى لمحة قصيرة عن تاريخه، فقبل إعلان قيام الدولة رسميًا عام 1948، كان للوكالة اليهودية فى فلسطين الانتداب، أذرع فى عديد من الدول العربية والأوروبية لتسهيل الهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين، وأذرع أخرى أكثر خطورة كانت تجمع المعلومات عن كل عدو أو صديق محتمل، مع تركيزهم وقتها على العمل داخل فلسطين، بفتح ملف معلوماتى تخابرى لكل قرية ومدينة عربية فلسطينية، خاصة بعد ثورات الفلسطينيين المتعددة ضد الصهاينة، كان آخرها الهبة الكبرى والتى استمرت من 1936 حتى بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939. ومع إعلان الدولة قام دافيد بن جوريون، أول رئيس للوزارة فى إسرائيل، بضم كل المجموعات العاملة فى داخل وخارج فلسطين فى جهاز واحد أطلق عليه "مؤسسة التنسيق" (بالعبرية: موساد لتاوم)، ليشتهر الجهاز منذ ذلك الوقت تحت اسم (الموساد) أو "المؤسسة"، والذى تغير رسميًا عام 1993 ليحمل اسم "مؤسسة المخابرات والعمليات الخاصة" (بالعبرية: موساد لموداعين أُو لتاكفيديم مييوهادين)، ليستمر معها الاحتفاظ بالاسم الأكثر شهرة، "الموساد".

ومنذ ذلك الوقت يخضع رئيس الجهاز (لا الجهاز نفسه) رسميًا لشخص رئيس الوزراء مباشرة، لا لمكتبه، وفى أحيانًا كثيرة، كما تفشى الأدبيات، لا يعلم حتى هو بأخبار بعض العمليات السرية التى يقوم بها أفراد الجهاز، إلا بعد اتمامها. ومن المعروف عن الجهاز أيضًا عدم أحقية مُسائلته أمام أى جهة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، أيا كانت، ليصبح بذلك سلطة رابعة فى "واحة الديقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، يضاف لذلك أن حتى ميزانية الجهاز السنوية (والتى تقدر بمبلغ قد يتراوح بين 400 إلى 650 مليون دولار أمريكى) تخضع للسرية الصارمة، ولا يتضمنها أى تقرير حكومى رسمى أو صحفى، مما يدع البعض بالتسائل حول توافق ذلك مع "ديمقراطية الدولة"، أو مع "دولة المؤسسات".

وعلاوة على ذلك يحظر النشر عن الجهاز، وبأى صورة من الصور، اللهم إلا فى نشر يسمح به كجزء من عمليات تضليل مقصودة أو دعاية أو رسالة ضمنية أو حرب نفسية، كما يجرى العمل منذ عدد من السنوات وبانتظام بالغ الدقة ضد كل من سوريا وإيران – وفى أحيان متواترة ضد كل من مصر والسعودية. وكان اسم رئيس الجهاز حتى عام 1966 سريًا لا يعرفه أحد حتى من الوزراء، علاوة على العامة والخاصة فى الداخل أو الخارج، تم بعدها التصريح بنشر اسمه، ومنذ سبتمبر عام 2006 يقوم (مائير داجان) بقيادة الجهاز، كواحد من أبنائه المصعدين من داخل صفوف وبنى الجهاز نفسه.

أما عن تركيبه موظفى الجهاز فقد كتب العميل السابق، فيكتور أوستروفسكي، بابًا كاملاً عنه فى كتابه المنشور له منذ عشر سنوات فى كندا حيث يقيم، وركز فيه على كيفية تجنيدهم التى وصفها بالقسوة والصعوبة البالغة، ويذكر أيضًا أن الموساد بعد أن كان هو الذى يختار عملاءه بنفسه من الداخل والخارج، أصبح يفتح الباب منذ سنوات قليلة لمن يريد التقدم للعمل فى صفوفه، فمع التقدم التقنى أصبح للجهاز الآن صفحة على الشبكة العنكبوتية، تستقبلك بمقولة: "حين لا تكون هناك خطة يسقط الشعب، ومع تعدد المتشاورين يقوم الأمان". وتعرض صفحة الجهاز الإلكترونية الشروط والمعلومات الضرورية عن كيفية الالتحاق بصفوفه، بالإضافة إلى معلومات عامة عنه، تروج لبطولات له ولمعجزات حققها منذ إنشائه. وتذكر جريدة (هاآرتس)/ الصادرة بالإنجليزية بتاريخ 22 يونيو عام 2001، خبرًا صغيرًا عن أن الجهاز أطلق حملة "جديدة" عبر الصحف فى إسرائيل لتوظيف "ضباط مراقبة عملاء"، أى "لقسم الجمع"، وهو أكبر أقسام الجهاز على الإطلاق، وجاء فى الإعلان أيضًا والذى ذكرت (هاآرتس) أنه قد نشر من عدد من الصحف اليومية، "أن ضباط المراقبة هؤلاء سيكونون مخرجين وواضعين للسيناريوهات وممثلين أيضًا"، أى مستقلين فى عملهم تمامًا - أى على طريقة (جيمس بوند). كما أنه من المعلوم أيضًا، أن جهاز (الموساد) الإسرائيلى كان قد أعلن على صفحته الرسمية فى إبريل عام 2001 عن حاجته لمهندسى كهرباء وكومبيوتر (لقسم التكنولوجيا التابع له)، فمع بداية الألفية الثالثة أصبح لدى الجهاز أقسامًا تحتاج لأفراد أكثر عما كان عليه الحال من قبل.

أما ما نشره الطلبة الإيرانيون عن بنية الجهاز نقلاً عن الوثائق المخابراتية الأمريكية المضبوطة، فتضمن شرحا وافٍيا عن كل الأقسام الممثله فيه، أذكر هنا منها ما قد يفيد فى حالة "محمود المبحوح"، وهو "قسم الجمع"، السابق التعرض له، الذى يقود عمليات التجسس من مراكزه الموزعة على كافة مناطق العالم بواسطة مكاتب سرية خاصة به، أو بواسطة أفراد له يعملون ضمن الجهاز الدبلوماسى الرسمى للدولة والموجود بفضل اتفاقات أوسلو عام 1993 فى عدد كبير من الدول الإسلامية والعربية كذلك، عدا عن تمثيله فى عدد كبير من بلاد العالم، ويعمل الدبلوماسيون فى هذه الحالة على طريقة "عملين بمكافأتين لموظف واحد". ويلى "قسم الجمع" فى الأهمية "قسم العمليات السياسية والتعاون الدولى"، وهو القسم الذى يقوم بعمليات سياسية بالتعاون مع أجهزة مخابرات "صديقة"، وحتى مع تلك التى ليس لها علاقات دبلوماسية رسمية مع اسرائيل، وقد يعمل أفراد القسمين فى فريق واحد، ليقوم الاثنان بالتنسيق للمناطق الجغرافية المختلفة معًا، كما فى حالة مكتب الجهاز فى باريس، وهو أكبر مكاتب الجهاز على الإطلاق، وهناك من يقول بأن مكتب "مدينة سالزبورج النمساوية" يفوقه ضخامة، نظرًا لموقعه الجغرافى الإستراتيجى الهام، ولاقتصادية الحياة فى هذه المدينة النمساوية مقارنة بباريس ولندن، وهو موقع يتيح على ذللك ميزة هامة وهى حرية الحركة بين دول أوربا جميعها والعالم وبسهولة تامة.

أما "قسم العمليات الخاصة" (بالعبرية: ماتسادا) فيقوم بتنفيذ عمليات اغتيالات وتخريب وعمليات عسكرية محدودة، بالإضافة إلى تكليفه ببث برامج حرب نفسية، مثلما حدث فى حرب لبنان الأخيرة عام 2006 والعدوان على غزة عام 2009. ولبرنامج الحرب النفسية أيضًا قسم خاص يقوم على نفسه ويحمل الاسم نفسه، (بالعبرية: لوخاميت بسيخولوجيت)، حيث يتولى تنفيذ برامج للحرب النفسية من عمليات دعائية وتضليلية حتى داخل دول على علاقة وثيقة وإستراتيجية مع إسرائيل، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. أما قسم الأبحاث فهو القسم المتخصص، طبقًا لوثائق طهران، بتقديم تقارير مخابراتية يومية، تكون بالتعاون مع قسمى "الجمع" و"العمليات السياسية والتعاون الدولي"، أو بدونهما. ويقدم القسم موجزًا أسبوعيًا عن عمله، علاوة على تقرير شهرى عن الحالة العامة للجهاز أو لعمليات خاصة، منها ما يقدم لرؤساء المكاتب، ومنها ما يقدم لرئيس الجهاز ليعرضه "شفويًا" (وعلى انفراد) على رئيس الوزراء فى اللقاء الأسبوعى أو ما يتفق عليه من مواعيد. و"قسم الأبحاث" هذا مقسم إلى 15 قسمًا يعمل كل منها متخصصًا بمنطقة جغرافية بعينها، تتضمن دولة أو مجموعة من الدول قد تتسع لتشمل قارة مثل أفريقيا.

أما عن مصر فلم تكن مدرجة بين أى من الأقسام الجغرافية الخمسة عشر فى وثائق طهران، وقد يكون قد أعد لها ملفًا خاصًا بها، لم تصل إليه يد الطلبة الإيرانيين، أو قد أعدم كحالة ملايين الوثائق التى أعدمت قبل احتلال الطلبة للسفارة، ولكن أجزم بأن مصر العربية محل اهتمام بالغ لكل الأجهزة المخابراتية الإسرائيلية. أما المناطق الجغرافية التى اشتملت عليها وثائق طهران تحديدًا فهى وعلى التوالى، الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأمريكا اللاتينية، وغرب أوروبا، وروسيا (الاتحاد السوفيتى السابق طبقًا للوثائق)، والصين، وأفريقيا كوحدة واحدة لا تشمل الشمال العربى الأفريقى، ودول المغرب العربى كوحدة واحدة، وليبيا، والعراق، والأردن، وسوريا، والسعودية، وإيران، والإمارات العربية المتحدة كوحدة مستقلة أيضًا.

ويضاف إلى المكاتب الجغرافية المتخصصة بالمناطق المذكورة سالفًا، مكتب "لقسم الأبحاث" يختص بحاله ويحمل اسم "ذرة". ويعمل هذا المكتب برصد أى معلومات أو موضوعات مثارة محليًا أو عالميًا لأى "أسلحة خاصة، ذرية كانت أو كيماوية أو بيولوجية" لكل المناطق الجغرافية السابقة، وقد يكون لهذا المكتب دورًا فى رصد واغتيال عالم الذرة المصرى الدكتور يحيى المشد فى باريس فى يونيو من عام 1980، وتدمير المفاعل الذرى العراقى عام 1981، وقصف ما قيل إنه مفاعل نووى سورى فى سبتمبر من عام 2008، وقد تكون آخر "بطولاته" الظلامية اغتيال عالم الذرة الإيرانى، الدكتور مهدى بزكان، فى 13 يناير 2010 فى طهران.
وأخيرًا يعمل "القسم التكنولوجى" للجهاز، وهو قسم مستقل لحاله، على تطوير تقنية متقدمة لمساعدة كافة أقسام الجهاز - من تخطيط وأفراد ولوجيستك وتدريب وبحوث إلى آخره، للقيام بعملياتها بنجاح، وهو دائمًا ما يكون فى حاجة لتوظيف المزيد من الأفراد، بنشر إعلانات لهذا الغرض على صفحة الجهاز الرسمية بالشبكة العنكبوتية، أو فى الصحف الإسرائيلية اليومية بكافة اللغات المستخدمة فيها، وهى كثيرة. وقد يكون "القسم التكنولوجى" قد استخدم طريقة ليست بالجديدة فى مقتل (محمود المبحوح) فى دبي، قد نكون أيضًا قد تعرفنا عليها فى أفلام التجسس التقليدية فى ستينات القرن الماضى، منها مثلاً تحويل جهاز الحلاقة الكهربائى أو فرشاة تنظيف الأسنان الكهربائية إلى مدفع كهربائى دقيق وقوى، يمكن تمريره وبسهولة بالغة أيضًا على كل أجهزة الرصد الإلكترونية فى المطارات والفنادق الكبرى، خاصة مع كونه فى حوزة أوربيين غربيين، مثلما أثبتت أجهزة الرصد فى دولة الإمارات العربية، لنعود مرة أخرى لنقر بأن التكنولوجيا لا تقابل إلا بمثيلتها، فالرصد الذى قامت به أجهزة الشرطة فى دولة الإمارات الناهضة هو حاجة الساعة، لا الادعاء ونظرية المؤامرة الكبرى، والتى طالما تمسكنا بها عبر عقود من الصراع مع التكنولجيا الغربية.

وأخيرًا ومع نقطة نظام لهذا الملف الشائك، فالدروس المستفادة من ملف اغتيال (محمود عبد الرءوف المبحوح) تتمثل فى إلقاء الضوء على جهاز يعمل ليل نهار على ما يدعيه بحماية وسلامة أمن دولة إسرائيل من بحر عربى عدائى التوجه لها ولمواطنيها، فهل سمعتم يومًا، سادتى، عمن يريد إلقاء اليهود فى البحر؟، أو عم يريد تدمير دولة إسرائيل عن بكرة أبيها؟ فالخيال المريض للكثير من الساسة الإسرائيليين الحاليين هو الذى يهدد أمن دولتهم، ويصنع أبطالاً لم يكن العالم العربى ليعرفهم قبل أن يقرر النظام اغتيالهم ليخلق قاعدة صلبة من المقاومة له، وليظهر له، كما يريد هو، من يغنى بكراهيته وليرقص البعض على موائد هذه الكراهية، مما يقذف بالشرق الأوسط بأجمعه فى هوة قد تكون فيها نهاية الجميع.
وبعد فالجهاز الذى عرضت له ليس خرافيًا كما يدعون، فواقعة (لافون) الفاشلة فى خمسينات القرن الماضى فى مصر، وحادثة ليليهامر فى النرويج عام 1973، ومحاولة اغتيال (خالد مشعل) الفاشلة بحقنة السم فى أذنه فى أحد شوارع عمان عام 1997، وحادثة برن الفاشلة أيضًا عام 1998 ومحاولة ستة من أعضاء الجهاز زرع جهاز تصنت على خط لهاتف مواطن لبنانى يعيش فى سويسرا، والمحاولات الفاشلة فى قبرص بزرع أجهزة للتصنت فى عام 1991 على السفارة الإيرانية فى نيقوسيا وفى عام 1998 فى محاولة التصنت على قواتها المسلحة لصالح تركيا، كل هذا ليدل على أن (الموساد) قابل للهزيمة، والأمل الأخير هو الوعى، والوعى فقط، ثم بالثقة بتوقيف الأصابع الضالعة بامتهان حقوق الإنسان وسلام العالم يومًا ما، نعم يومًا ما، أمام قضاء الضمير العالمى، فلنقل آمين.


• أستاذ علوم سياسية بجامعة ونسبروك بالنمسا.









مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة