ذكر الكاتب الإسرائيلى بمركز "أورشاليم" للدراسات السياسية والعامة الإسرائيلى وسفير تل أبيب السابق لدى القاهرة "تسيبى مازئيل" فى مقال له تحت عنوان "الطعم المر فى مصر" بصحيفة جيرزواليم بوست الإسرائيلية اليوم، الأحد، أن ترميم المعبد اليهودى "موسى بن ميمون" المعروف فى التراث اليهودى بـ "ربمام" وإعادة افتتاحه مؤخرا وقع ضحية للسلام البادر والبرود فى العلاقات بين مصر وإسرائيل.
وقال مازئيل "إنها لمناسبة فريدة من نوعها، أن تتحول المدرسة الدينية اليهودية الصغيرة التى يرجع تاريخها إلى 800 عام والتى كان يدرس بها الحاخام موسى بن ميمون المعرف باسم رامبام لتلاميذه لحالتها البكر مرة أخرى، وأن يصبح الكنيس اليهودى الملحق بها لبناء فخم بعد أن كان مهدما ومصاباً بأضرار بالغة من جراء الزلزال وأصبح على استعداد مرة أخرى للترحيب بالمصلين اليهود من كافة أرجاء مصر".
وأشاد الكاتب الإسرائيلى بالجهود الكبيرة التى قام بها وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى بعد أن تعهد منذ عامين لترميم المعابد الثلاثة الشهيرة فى مصر وأوفى بوعده فى النهاية وأعطى أوامره للمتخصصين فى هئية الآثار لسرعة إنهاء المهمة، مضيفا أن فريق الترميم المصرى عمل لوقت طويل وشاق للكشف عن الألوان الأصلية لجدران الكنيس وإعادتها لأصلها مرة أخرى، وكانت النتيجة مذهلة بعد أن بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع 2 مليون دولار.
وقال مازئيل إن عصر بن ميمون كان صورة رائعة للعالم فى أنها كانت تعبر كيف كان يعيش اليهود والمسلمين فى فرح ووئام حيث كان هذا الرجل موضع احترام وتبجيل لدرجة أنه عين الطبيب الشخصى للقائد الإسلامى فى تلك الفترة صلاح الدين الأيوبى، مضيفا أنه على مدى قرون كان اليهود والمسلمين والأقباط يذهبون إلى تلك المدرسة الدينية اليهودية للبحث عن الشفاء، على حسب زعمه.
وقال مازئيل إن عندما أوشك العمل فى ترميم الكنيس على الانتهاء تم الاتفاق مع السلطات المصرية بأن ينظم الحفل يوم 7 مارس بواسطة الجالية اليهودية الصغيرة فى القاهرة حيث دعت "كارمن وينشتاين" رئيسة الجالية اليهود فى كل من فى فرنسا وإنجلترا وغيرها من الدول بالإضافة إلى عدد قليل من الإسرائيليين التى ترتبط معهم بعلاقات والإسرائيليين الباحثين عن تاريخ اليهود فى مصر وسفراء سابقون بمصر، كما وجهت دعوة خاصة لحاخامات حركة "شباد" اليهودية الإسرائيلية التى تدرس تعاليم بن ميمون حتى الآن وتخصص لها أهمية كبيرة والذين كانوا يأتون حتى وقت قريب إلى كنيس بن عزرا كل عام فى مصر.
ووصف السفير الإسرائيلى السابق لدى القاهرة قرار الدكتور زاهى حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار بأنه "سخيف" وغير عملى حيث ترك اليهود بإقامة الاحتفال الدينى فى تكتم فيما بينهم ويكون الافتتاح الرسمى من قبل السلطات المصرية الأسبوع المقبل له.
وأضاف مازئيل أن يوم 7 مارس أصبحت القاهرة فيه فى جو من التوتر حيث كان الضيوف المدعوين من قبل كارمن فى طريقهم إلى الكنيس وأفراد الأمن والشرطة كانت حاضرة فى أعداد ضخمة مثيرة للإعجاب وبتطويق أمنى مكثف للمنطقة ووخاصة الأزقة المؤدية إلى موقع الاحتفال بحارة اليهود وسط القاهرة.
وقال مازئيل إنه على الرغم أن المنطقة التى يوجد بها المعبد تسمى "حارة اليهود" وهى التسمية التى اتفق عليها من عدة سنوات وذلك لأن الكثير من اليهود كان يقيمون بها إلا أن الحكومة المصرية فى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى تعمدت طرد آلاف اليهود من مصر وتحول العدد المتبقى منهم لأعداد قليلة عاشت فى الأحياء الفقيرة وفى الأزقة الضيقة والممرات الغير "معبدة".
وعن أجواء الاحتفال الذى أقيم فى السابع من مارس استطرد مازئيل الذى حضر أيضا الاحتفال بالقاهرة حديثه بأن سكان الحى أمروا بإغلاق محلاتهم والأبواب والنوافذ وتم منعهم من السير فى الشوارع فى وضع أشبه بحظر التجوال وكانت قوات الشرطة تخضع المدعويين لإجراءات تفتشية صارمة والتحقق من هويتهم ومنعت الصحفيين من الدخول، حيث تم دفع أحد مراسلى الصحف اليومية المصرية بعيدا عنى عندما كان يحاول إجراء مقابلة صحفية معى وحدث نفس الأمر مع مراسل صحيفة النيويورك تايمز، حيث كانت تريد الحكومة المصرية أن يتم الاحتفال فى أجواء سرية للغاية وعدم نشر أية صور أو لقطات مصورة للاحتفال داخل المعبد مضيفا أو هكذا كانت تأمل السلطات المصرية فى تحقيقه، وأضاف ساخرا أن الحكومة المصرية قد تكون لم تسمع من قبل عن الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات حديثة للغاية وغيرها من وسائل التسجيل المتطورة ومعدات البث.
وأضاف كان إجمال الحضور حوالى 150 شخصا شاركوا فى الاحتفال من بينهم اسحاق لفنانون سفير إسرائيل لدى مصر ومارجريت سكوبى السفيرة الأميركية وكذلك ممثل عن وزارة الخارجية الأسبانية الذى تلا رسالة من ميجيل انخيل موراتينوس الذى يرأس منظمة "كاسا دى سفراد" المعنية بتوثيق الثقافة والتاريخ والتقاليد المشتركة اليهودية الأسبانية وألقى خطبة قصيرة وغير سياسية عن بن ميمون الذى ولد فى قرطبة بأسبانيا، وكرر شكره إلى المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة والتى كانت غائبة بشكل واضح فى الحفل.
وأضاف مازئيل أن الحاخامات الإسرائيليين الذين وصلوا على متن الطائرة صباح يوم الاحتفال من إسرائيل وكانت عودتهم فى وقت متأخر فى المساء صلوا وغنوا ورقصوا مع جميع الحاضرين واحتثوا معهم الخمر فى أكواب صغيرة من"الفودكا".
وفى الوقت نفسه شعر المصريون بالإحباط الذين تم منع عنهم أية معلومات عن كواليس الاحتفال بعد أن اعتقدت السلطات المصرية أن الاحتفال تم فى طى الكتمان إلا أن بعض الضيوف أجروا مقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية المختلفة فى سياق الحدث وسردوا تفاصيله قبل ساعات من بث شريط الفيديو الذى قامت أعضاء حركة "اشباد" بنشره على مواقع الإنترنت مع العديد من الصور وتم لاحقا بنشره فى نشرات الأخبار على القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلى.
وأضاف مازئيل أن الصحافة المصرية فى القاهرة خرجت فى اليوم التالى للاحتفال بعنوانين بسبب حضور السفير الإسرائيلى وتبديد هذا المبلغ الهائل من المال لترميم موقع يهودى بعد أن أعلن رسميا أنه تم ترميمه بأموال مصرية خالصة.
وأضاف الكاتب الإسرائيلى فى مقاله الطويل أن زاهى حواس أعلن بعدها أن "بن ميمون" لن يتم تسليمه لليهود وأن التدابير الخاصة التى اتخذت فى الحفل وفسر الاحتفال اليهودى بالاحتفال الرسمى الذى ألغى فيما بعد من أجل عدم الإساءة للمشاعر المصرية فى ضوء موقف الحكومة الإسرائيلية بضم "الحرم الإبراهيمى" للآثار اليهودية، وأضاف أن حواس قد أوضح بأنه فوجئ بشدة عندما علم بمشاركة السفير الإسرائيلى واحتثاء المشروبات الكحولية ولذلك اتخذ قرار إلغاء الافتتاح الكبير المخطط له 14 مارس.
وأضاف مازئيل فى نهاية مقاله أن مصر لم تفوت فرصة مثالية لتظهر امام العالم بأنه دولة متفتحة ومتسامحة، ولكنها بدلا من أن تجنى فوائد سياسية واقتصادية من ذلك تعمدت إلى التقليل من أهمية مراسم الاحتفال واستخدامه كأداة لإدانة إسرائيل، و صحيح أن المدرسة الدينية القديمة والمعبد تم استعادته مرة خرى وسوف يقف شاهدا على الحياة والعمل ومع ذلك فإن هناك طعماً مريراً طال أمده فى العلاقات بين البلدين.
سفير إسرائيلى سابق: إلغاء افتتاح "بن ميمون" ضحية السلام البارد مع مصر.. وفاروق حسنى وفى بوعده بالحفاظ على آثار اليهود.. والحكومة المصرية طردت اليهود فى الخمسينات والستينات
الإثنين، 22 مارس 2010 11:31 ص