حين يريد الناس التعبير عن المبالغة، أو افتقاد الكلام للدقة، أو حتى بعده عن الحقيقة، يصفونه بانه "كلام جرايد"، وهذا الوصف ليس جديدا، ولا أعرف متى ظهر لكننى فتحت عينى فوجدته، بما يعنى أن الصحافة المصرية تفتقد الكثير من المصداقية لدى الناس.. منذ زمن بعيد.
وحين طالعت صحافة القاهرة اليوم وجدت الخبر الرئيسى فى معظمها هو بيان رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات المستشار جودت الملط أمام مجلس الشعب، وقد اختلفت جميع الصحف فى تناوله تقريبا، لدرجة أن معظم الصحف تناولته بطريقة ولا تقربوا الصلاة.. ولم تكمل الآية.
على سبيل المثال ركزت الوفد على الجانب السلبى فى أداء الأداء الاقتصادى المصرى، وجاءت عناوينها كالتالى: "جودت الملط يرصد نتائج سوء الأداء الاقتصادى أمام مجلس الشعب: زيادة معدل الفقر إلى 23.4% .. و77% من الفقراء فى الريف.. تراجع الاحتياطى النقدى الأجنبى وارتفاع العجز وزيادة التضخم" بما يعنى صورة قاتمة وشديدة السواد.
أما الأخبار فجاءت عناوينها عن نفس الموضوع كالتالى: الرئيس مبارك ينحاز إلى البسطاء.. وبعض المسئوليين يصنعون الأزمات.. حكومة نظيف حققت تحسنا ملحوظا فى مؤشرات الاقتصاد لكنه لم ينعكس على الطبقات الفقيرة.. انخفاض الديون الخارجية.. والدين الداخلى تجاوز الحدود الآمنة" وكما يبدو فإن الصورة التى نشرتها الأخبار تكاد تكون مشرقة.
أما الأهرام فقد حرصت على التوازن وقالت:الملط يشيد بحكومة نظيف وينتقد تزايد الفقر وارتفاع الأسعار، وحولة المصرى اليوم الموضوع إلى مواجهة من نوع مختلف بين أحمد عز وجودت الملط وقالت: مواجهة ساخنة بين الملط وعز فى البرلمان، وغالى يعترض على بيانات جهاز المحاسبات.
لا أريد الاستمرار فى عرض عناوين ما جاء فى باقى الصحف اليومية الأخرى، لكن فى أربع صحف يومية معالجة مختلفة لموضوع واحد، ورغم أنه يتعلق بحقائق وأرقام، لا تقبل التفسير أو التأويل لكن الصحافة أمسكت بها ولوت عنقها، والبعض صنع منها معارك والأخر عيشنا فوق السحاب، والأخر خسف بنا الأرض.
لذلك حين يصف الناس الكلام غير المعقول أو المنافى للمنطق بانه كلام جرائد فمعه حق تماما.. لأن صحفنا بلا استثناء لا تزال غير مدركة لمعنى التغطية الخبرية المحايدة، فحين يتحدث مسئول كبير مثل رئيس جهاز المحاسابات، فإن كلامه لا يقبل الاجتزاء، أو التأويل، وعلى الصحف الجادة التى تحترم قرءاها نشر الأرقام والحقائق التى قالها كاملة دون اجتزاء أو اختيار.. ثم تلجأ بعد ذلك إلى تحليل الأرقام ودلالاتها ومعانيها، فيرى البعض إيجابياتها ويرى اخرون سلبياتها.. وتركز كل صحيفة فى تحليلها ورأيها على ما تشاء.. لكن حين يتعلق الأمر بالخبر، لا يجوز الاجتزاء أو التعامل معه بمنطق ولا تقربوا الصلاة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة