عفوا.. علينا أن نبحث عن طريقة أخرى للتفكير فى مسألة الدروس الخصوصية، بعيدا عن التجريم الذى لا يفيد، فقد ظللنا سنوات ندور ونلف حول أنفسنا، الحكومة ووزراء تعليمها يعلنون أنهم ضد الدروس الخصوصية، وكل أبنائهم يحصلون على الدروس، وأغلب أوائل الثانوية العامة يعترفون بأنهم نجحوا بالدروس الخصوصية، ونسمع عن إغلاق مراكز للدروس بقرارات لوزير التعليم، سرعان ما تعود للعمل بحكم القضاء، والمعلمون الذين تم فصلهم أو منعهم لجأوا للقضاء فحصلوا على أحكام بالعودة، استنادا إلى قاعدة تقول إنه ليس من حق الحكومة أن تمنع الدروس الخصوصية، لأنه لا يوجد قانون يجرمها «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، طبقا للدستور. وأى تشريع سيكون مخالفا للدستور لأنه نشاط خاص.
والمدرس يزور التلاميذ فى منازلهم، ولا يوجد قانون يمنع الزيارات المنزلية، وهناك عشرات وربما مئات الطرق لمواجهة المطاردات. ثم إن الاستعانة بمعلم خاص أمر شائع فى الحياة عموما، وهو نشاط خاص يفترض أن الشخص يمارسه طالما يدفع عنه الضرائب.
وما يجرى طوال سنوات وعقود أن الدروس الخصوصية مجرمة شكلا، لكنها فى الواقع مستمرة حتى لو لم يعترف كل الوزراء والمسئولين والنواب والقضاة والمحامين والأطباء والمعلمين، بأن أبناءهم يحصلون على دروس خصوصية، مثلما اعترف وزير التعليم الأسبق بأن أولاده يستعينون بالمدرس الخصوصى.
الدروس عامل مشترك فى المدارس العامة والخاصة والأجنبية وأغلب أوائل الثانوية من مدمنى الدروس الخصوصية، حتى فى الجامعة أصبحت تتسع كل سنة بشكل يفوق أى قدرة على منعها. وكل المشكلة أن الحكومة لا تريد الاعتراف بأن نظام التعليم فاشل، وتزعم أنها تطارد الدروس الخصوصية، بينما هى تحصل عليها.
وإذا كانت كل الطرق تؤدى للدروس الخصوصية، فنحن نمارس سياسة دفن الرؤوس فى الرمال، والنتيجة أن محترفى الدروس الخصوصية لا يسددون الضرائب، لأنهم يعتمدون على تجريمها، وهناك 3 مليارات جنيه تضيع على خزينة الدولة سنويا بسبب عدم تحصيل الضرائب عن الدروس الخصوصية، بسبب التعارض بين وزارتى المالية والتعليم. التى تجرم الدروس الخصوصية، وبالتالى فالمدرسون يخفون نشاطهم عن الضرائب، ولا يقدمون إقرارات ضريبية، وتعجز المصلحة عن إثبات نشاطهم.. وإذا فتحت لأيهم ملفا ضريبيا يرفع دعوى ويكسبها، لأنه من الصعب إثبات الأمر. ولا تتم محاسبة غير المدرسين الذين يعلنون عن أنفسهم فى مراكز الدروس الخصوصية.
وهو ما يعيدنا إلى النقطة الأولى، أن تقنين الأمر هو السبيل لضبطه ووضعه تحت الرقابة، بدلا من الاكتفاء بتجريمه شكلا وتحليله مضمونا.. وطوال سنوات لا وزارة التعليم نجحت فى منع الدروس الخصوصية، ولا الضرائب حصّلت حق الدولة فى نشاط قائم، ومعلن، ولا حل إلا الاعتراف بها وتقنينها، وإلا فليدلنا أحد على طريقة أخرى لمنع الظاهرة وتطوير التعليم. فإذا كانت الحكومة تحصل على دروس خصوصية فهل تمنع شيئا تمارسه؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة