استقبلناه بالهتاف فى المطار، قيلت شعارات وتصريحات، أجريت حوارات للإعلام وأخرى للنخبة، كتبنا آلاف المقالات وآلاف التعليقات على النت، تشكلت لجان وجمعيات ومجموعات على الفيس بوك، دعونا له على منابر السياسة والندوات، فعلنا ذلك دون سابق معرفة بالرجل، فتحقق لنا نبل القصد وشرف دعم آخر محاولة للتغيير، رغم أننا لم نره قبل حضوره الأخير، لم نشاهده يتقدم مسيرة أو مظاهرة، فيدفعه الأمن الأخرس كما دفع العالم والمفكر الراحل عبد الوهاب المسيرى، لم يشاكسه أحد فى ندوة أو مائدة مستديرة، لم يوقع على بيان للإفراج عن المعتقلين أو تنديد بالمحاكمات العسكرية للإخوان مثلاً، لم يتقدم وفداً وطنياً للقاء النائب العام تضامناً مع عمال المحلة، لم يكن أول الحاضرين يوم نكبة الدويقة، وفاجعة سفاجا ومصيبة العياط، ومحرقة بنى سويف، لم يقل رأيه فى أزمة العطش، ومجاعة الخبز وبلوة الغاز، لم يكن موجوداً فى معارك مواجهة الفساد، لم ينتظر على سلالم مجلس الدولة حكم تصدير الغاز لعصابة الصهاينة ولا حكم التأمين الصحى، لم تتعفر قدماه فى شارع عبد الخالق ثروت تضامناً مع القضاة، لم يخطب على سلالم نقابة الصحفيين، ولا وقف فى صيف يوليو فوق رصيف دار القضاء العالى، لم يقد الشموع لغزة فى ميدان التحرير أو عند ضريح سعد زغلول، لم يجلس فى الدور الثامن بنقابة الصحفيين داعياً أو مدعواً، لم يرسل برقية عزاء فى وفاة المسيرى ورؤوف عباس ومحمد السيد سعيد، لم يشرب الشاى فى مقاهى شامبليون والدرب الأحمر والناصرية، لم يشاطرنا أكل كشرى "أبو طارق" أو سمين "بحة" أو كوارع "البرنس" ولا حتى كباب "الرفاعى" وفول "الجحش".
لم نره فى احتفالات الأوبرا وساقية الصاوى أو استاد القاهرة، لم يتوعك قليلاً فيذهب لقصر العينى الفرنساوى لنزوره بباقات الورد والحلوى، فيتبادل معنا القفشات، لم نسلم عليه فى عزاءات عمر مكرم والحامدية الشاذلية وآل رشدان ومسجد الصحابة.
ورغم كل ذلك أعطيناه ما لم نعطِ لأحد، وعلقنا عليه كل الأمانى، خرسنا ليتكلم، وقفنا ليجلس، نمنا ليصحو، تراجعنا ليتقدم، سكتنا لينفعل، وسوف ننتظر على أحر من الجمر زيارته القادمة بعد أقل من شهر، ونعد العدة التى تليق به، إذا أراد تغييراً للدستور حاولنا أن نغيره، إذا أراد ضمانات مكتوبة حرصنا على تجهيزها، وسنحاول أن نلبى طلبه الأخير الذى صرح به للأسوشيتدبرس من قيام انتفاضة شعبية، سنقوم إن شاء الله بانتفاضة كبيرة، سنفعل كل ما يطلبه لأننا نخشى فى حالة تكاسلنا، أن ينسحب من المعركة، بحجة أننا شعب لا يستحق وجوده بيننا، وساعتها لن نجد "برادعى واحد" يسأل فينا وربما سألنا أنفسنا حينها الخطأ فينا أم فى البرادعى؟.