ستشكل الرسالة الموجهة إلى الأيرلنديين التى سينشرها البابا بنديكتوس السادس عشر السبت، أول وثيقة للكنيسة حول الاستغلال الجنسى للأطفال يوقعها البابا الذى أنهى فى السنوات الأخيرة الصمت عن هذه الجرائم، وفق متابعين لشئون الفاتيكان.
وكان يوزف راتيسنجر، أسقف ميونيخ، الذى أصبح البابا لاحقا، لزم فى الماضى مبدأ الصمت ووافق فى 1980 على نقل كاهن يشتبه بأنه اعتدى جنسيا على أطفال، إلى ابرشيته للخضوع لعلاج، وواصل الكاهن انتهاكاته ودين وسجن بنهاية الأمر.
ومنذ فضائح الاعتداء الجنسى على أطفال سنوات الألفين فى صلب الكنيسة الأمريكية، لم ينفك البابا يندد بهذه "الجرائم الشنيعة"، وعمل على انسياب المعلومات بهذا الشأن ضمن تراتبية سلطات الكنيسة مع تسوية معظمها داخلها.
ويقول ماركو بوليتى، المحلل الخبير فى شئون الفاتيكان فى الصحيفة الإيطالية اليسارية "ايل فاتو كوتيديانو"، إنه "خلال السنوات الـ15 الماضية، حصل نوع من الثورة الكبيرة داخل الكنيسة".
وأوضح بوليتى "لعقود كانت الكنيسة تخفى الأمر، لأن هدفها الرئيسى كان الدفاع عن مقام المؤسسة، البابا بنفسه يشجع على فضحها".
وقال مراقب آخر مختص بشئون الفاتيكان هو جون الين من "ناشونال كاثوليك ريبورتر" إن "بنديكتوس السادس عشر انكب على الملف حال توليه منصبه من خلال سحب الأب ماسييل (متهم بارتكاب اعتداءات جنسية، لكن ملفه ظل مهملا لسنوات فى الفاتيكان)، كما التقى ضحايا الاعتداءات فى الولايات المتحدة وأستراليا".
وبعد أن أشار إلى أن فضائح الكهنة المتورطين بدأت تظهر بنهاية رئاسة البابا الراحل يوحنا بولس الثانى الذى توفى فى 2005، أضاف الين "لكن بنديكتوس السادس عشر هو بابا الأزمة: فهو أول من فرض الانضباط"، مضيفا "يمكن انتقاده للطريقة التى يحكم بها الكنيسة، لكن بشأن الاستغلال الجنسى فإنه أمسك تماما بزمام المبادرة".
وعلى أية حال فلم يكن أمام الكنيسة من خيار آخر، حيث إن حالات الاعتداء الجنسى على أطفال تعد من المسائل المدمرة لمؤسسة حضرة بقوة بين الشبان، خصوصا عبر التربية الدينية والمؤسسات التعليمية، كما ينطوى الأمر على جانب مالى، حيث اضطرت الكنيسة الأمريكية سنة 2008 إلى دفع تعويضات بقيمة 436 مليون دولار.
وكشف ساندرو ماجيستر من صحيفة ليسبريسو "أنه حصل وعى لدى القيادة الكاثوليكية التى أدركت أنه لا يمكنها ببساطة لزوم الصمت، ونقل قس مذنب مع مخاطر عودته إلى ارتكاب جرائم جديدة".
ورأى أسقف اليسندريا (شمال إيطاليا) غويسيبى فيرسالدى أنه "بفضل الحزم الكتنامى لدى البابا أصبحت العديد من اللقاءات الكنسية تلقى الضوء على حالات الاعتداء الجنسى وتتعاون مع السلطات المدنية لتأخذ العدالة مجراها بالنسبة للضحايا".
وفى 2001 نشر البابا يوحنا بولس الثانى مرسوما حول "الجرائم الخطرة" بالاعتماد على وثيقة أعدتها "لجنة عقيدة الإيمان" - الهيئة التى تراقب عقائد الفاتيكان التى كان يرأسها البابا الحالى، ويطلب المرسوم من الأساقفة إبلاغ الفاتيكان عن حالات استغلال جنسى ومنع المتورطين من أى اتصال بالشبان.
وقال بوليتى إن "الرسالة الموجهة للإيرلنديين هى أول وثيقة رسمية من حبر أعظم بشأن ظاهرة الاعتداء الجنسى على أطفال فى المجتمع المعاصر"، إلا أنه حذر من أن "مصداقية الوثيقة لا يمكن ضمانها دون فتح تحقيق داخل الأبرشيات للكشف عن وجود ضحايا آخرين محتملين لم يتم الاستماع إليهم".
رسالة للبابا تنهى سنوات الصمت حول الاستغلال الجنسى للأطفال
الجمعة، 19 مارس 2010 02:46 م