◄◄وعد بقانون للتأمين الصحى وإصلاح أحوال المستشفيات وتحدث عن خطط لم نحصد منها سوى الوهم
عندما جاء الدكتور حاتم الجبلى إلى منصبه وزيراً للصحة، قدم الكثير من الوعود وأعلن عن الخطط وقال إنه درس أحوال الصحة والعلاج فى مصر، وإن لديه حلولاً سريعة وأخرى متوسطة وثالثة بعيدة المدى.
مرت السنوات وغرق الجبلى فى تفاصيل المشكلات وعجز حتى الآن عن تقديم أى حل لمشكلات الصحة والعلاج. وعد بتطوير مستشفيات وزارة الصحة، وتقديم قانون للتأمين الصحى، وتطوير الوحدات الصحية وتحسين أحوال الأطباء. كل هذه الوعود تبخرت وعاد الأمر كله للمربع رقم واحد. فلا هو قدم حلولاً خاصة لمشاكل عامة ولا قدم حلولاً عامة بفكر خاص، لقد غرق فى التفاصيل بلا خطوة واحدة أو بارقة أمل.
كان التصور أن الجبلى رجل أعمال يريد تطبيق رأسمالية فى مجتمع لايزال ثلاثة أرباع سكانه يعيشون بمرتبات ودخول محدودة. قال إنه سينقل تجربة الإدارة الخاصة للمستشفيات العامة، ومرت سنوات وغرق الدكتور الجبلى فى البيروقراطية والروتين ومشكلات المستشفيات، لم يقاتل من أجل تحسين أحوال الأطباء المتردية ووصل الحال أن نقيب الاطباء استصدر فتوى باستحقاق الاطباء للزكاة. وهم الذين كانوا فئة مميزة من الطبقة الوسطى. الكادر تحول إلى وهم ومشروع التأمين الصحى ضاع على مذبح الخلاف بين المالية والصحة وظل كما هو فى الأدراج بدعاوى نقص الدراسات الاكتوارية مع أن الإرادة تكفى لإصداره. كانت التصورات أن الدكتور حاتم الجبلى قادم من عالم رجال الأعمال و«بيزنس مان» مهمته التجارة، وحسابات الربح والخسارة.. واقتصاد السوق، الجبلى كان يدير مستشفى دار الفؤاد، بقواعد السوق ويحرص هو والمستثمرون بما على تحقيق أعلى عائد مثل أى شركة خاصة، يعنى أن الجبلى ربما ينجح فى إدارة منظومة العلاج والصحة فى مصر ولو بعقلية القطاع الخاص.
لكن كثيرين راهنوا على أن أحوال الصحة فى مصر أكثر تعقيدا من دار الفؤاد، وأن هناك خمسة أنظمة للعلاج: مستشفيات وزارة الصحة المركزية والعامة والوحدات الصحية ثم المؤسسة العلاجية، والتأمين الصحى والمستشفيات الجامعية الخارجة عن ولاية وزارة الصحة. ونظام العلاج على نفقة الدولة، الاستثناء الذى تحول إلى قاعدة.
الجبلى وعد بعد أربعة شهور من توليه وزارة الصحة بخطة قال إنه انتهى منها سوف تكون العلاج السحرى لأزمات الصحة والعلاج، وقال إنه توصل إلى تشخيص مشاكل الصحة فى مصر، ووعد بوضع رؤية وحلول سريعة الأجل، ومتوسطة وطويلة الأجل، ووصف إصلاح الصحة بأنه عملية تغيير نمط فكرى واجتماعى و«أن مشاكل الصحة فى مصر تتبع سبع مجموعات، التأمين الصحى وشبكة الأمان الاجتماعى، وقدرة المواطن على الحصول على الخدمة، والجودة، وتنمية الموارد البشرية، والتمويل، ودور وزارة الصحة، وإعادة هيكلة المؤسسات الصحية، بدءاً بوزارة الصحة».
لكن مرت الشهور ولم يخرج للنور أى من الحلول السريعة ولا المتوسطة ولا الطويلة الأمد، وطبعاً اختفت الهيكلة فى زحام التفاصيل.
الجبلى غرق بوزارته فى البيروقراطية وبدا أنه استسلم للواقع وعاش سنوات يسيطر على مركزية قرارات العلاج على نفقة الدولة، وتفجرت الازمة خلال الشهر الاخير وكشفت عن أزمة لوزارة الصحة التى أرادت أن تدين نوابا ومسئولين، كشفت عن تلاعب فى قرارات العلاج لكنها كشفت كيف عجز وزير الصحة القادم من القطاع الخاص عن إحلال نظام علاج إنسانى بدلاً من نظام استثنائى تصعب مراقبته.
الدكتور حاتم الجبلى بدأ عمله بزيارات مفاجئة لمستشفيات ووحدات صحية وانتقد أحوال المستشفيات فى شجاعة كبيرة ارتبطت بنظام الوزراء تحت التمرين. ثم توقفت الزيارات المفاجئة وتوقفت الانتقادات وعادت أحوال الصحة لسابق عهدها وبدا الوزير وكأنه اكتشف أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، فأحوال المستشفيات العامة والمركزية لا ترضى عدوا ولاحبيبا بلا إمكانات ولا أدوية.. والوزير يبدو عاجزا. وحتى عندما هجمت أنفلونزا الخنازير استنفر الوزير والوزارة وساروا حسب التعليمات العالمية فى الإجراءات الوقائية والشفافية لكن نفس الشفافية اختفت فى قضايا الصحة التى لاتوجد بشأنها حملات عالمية. ومع أنه واجه أنفلونزا الخنازير بشجاعة فقد اتضح أنها شجاعة مستمدة من اهتمام العالم اختفت بعد أن توقفت منظمة الصحة العالمية وبعد إنفاق 10 مليارات جنيه لمواجهة عدو وهمى بينما ظل الكبد الوبائى تحدياً لا يجد شجاعة لمواجهته.
الجبلى القادم من عالم القطاع الخاص واللامركزية دعم المركزية فى قرارات العلاج ولم يطرح أياً من أفكاره وخططه، وبقيت أحوال الصحة تائهة بلا حلول، ووزير الصحة تائه بين الدفاع عن النفس والبحث عن طريقة للاستمرار بعد أن استنفد محاولات الوزير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة