أنا أول من حذر المجلس القومى للرياضة من خطر عدم المرونة مع الأندية وتحدى رغبتها فى تأسيس رابطة تتولى تسويق نشاطها الكروى.. وقلت إن هذا التعنت الذى يتحالف فيه المجلس مع اتحاد الكرة قد يؤدى إلى كارثة، وهى اتجاه الأندية الكبيرة إلى إلغاء الألعاب الأخرى التى تمثل عبئًا ثقيلاً على ميزانياتها لأنها ألعاب متطفلة على كرة القدم ولا تستطيع أن تعيش بدون عوائدها المالية لأنها تخسر الملايين سنويًا، وفى نفس الوقت لا تمثل ثقلاً جماهيريًا وإعلاميًا لهذه الأندية ولا تؤثر على مسيرتها ولا انتخاباتها.. ولذلك تنتظر هذه الأندية بلهفة أى مبرر مقبول للرأى العام لتقرر فورًا اختصار نشاطها فى هذه الألعاب، وهو ما أشار إليه حسن حمدى، رئيس النادى الأهلى، فى حوار تليفزيونى وهو أيضًا ما فكر فيه الزمالك.
هذا يعنى إذا حدث أن الرياضة المصرية، سوف تواجه انتكاسة كبيرة تحتاج سنوات طويلة لاحتوائها، وربما يستحيل هذا الاحتواء لأن الاتحادات الرياضية لا يتجاوز دورها تنظيم المسابقات والإشراف على المنتخبات ليكون المنتج الرئيسى وهو اللاعب من صميم عمل الأندية فقط.. فإذا اختفى دورها سوف تختفى المنتخبات ويختفى الحضور المصرى على الصعيدين القارى والدولى.. وفى الوقت ذاته ربما لا تتقدم كرة القدم خطوة واحدة جديدة إلى الأمام، خاصة مع استمرار هذا الطابع الإدارى المتردى فى اتحاد الكرة، وتفشى الفساد وانصراف الدولة عن ملاحقته ظنًا أن إنجازات المنتخب دليل نجاح المؤسسة المعنية بإدارة اللعبة وهو ظن خاطئ سبق أن تحدثنا عنه كثيرًا.. أى أن الخسارة المصرية من إلغاء ألعاب فى الأندية سوف تكون آثارها ممتدة وواسعة وبمضاعفات خطيرة.
وقد يرد مسئول فى الجهة الإدارية بأن تأسيس الرابطة لا يعنى أن الأندية سوف تصرف النظر عن فكرة الإلغاء.. ليست هناك ضمانات.. وأقول إن هذا جائز فعلاً، لكن لابد من المساعدة أولاً لكى تقف الأندية على أقدامها من الناحية الاقتصادية ووقتها لكل مقام مقال لأنه من اليقين أن أوضاعًا كثيرة سوف تتغير، وواقعًا جديدًا سوف ينشأ، مع التأكيد أن الأندية نفسها لاترغب فى أن تصل إلى هذه المرحلة الخطيرة لأن إلغاء ألعاب معناه إلغاء أصوات فى الانتخابات وتأسيس واقع انتخابى جديد فى الجمعية العمومية ليست الإدارة مستعدة لمواجهته وهى التى تنعم بمزايا الاستقرار على مقاعد القيادة والعمل العام بما فيه من مكانة اجتماعية ومكاسب أدبية وربما منافع مالية.
إذن من مصلحة المجلس القومى للرياضة أن يتبنى رعاية أى مشاريع للأندية، ولا يكلف نفسه عناء البحث فى دهاليز قانون الهيئات الرياضية ليعثر على ثغرات ضد تأسيس الرابطة، خاصة وهو مقتنع تمامًا بأن القانون أصبح قاصرًا ولا يواكب متغيرات صناعة الرياضة، وأن خطره أصبح كبيرًا على كل المؤسسات بما فيها المجلس نفسه الذى يكتسب مشروعيته ودوره من تبعية الاتحادات والأندية له.. وإذا اختفت الألعاب اختفت المشروعية واختزل نفسه فى مبنى ضخم لا يؤدى وظيفة حقيقية.
ولو كان المجلس القومى واعيًا بهذه المخاطر لأصبح صاحب مبادرة بأن يتجاوز مجرد رد الفعل، ويسعى هو إلى البحث للأندية عن منافذ للهروب من قانون انتحر فعلاً على أبواب الاحتراف منذ أن تجاوزت مصر مرحلة المركزية والاقتصاد المغلق واتجهت متسارعة ومهرولة للخصخصة فى كل المجالات لكنها «عصلجت» أمام متطلبات التغيير فى الرياضة ربما لأسباب سياسية، بما للرياضة من علاقة مباشرة وحساسة مع الرأى العام.. بل وأتخيل الجهة الإدارية الأشد خوفًا ورعبًا من اختزال الرياضة المصرية فى كرة القدم التى هى فى حقيقة الأمر لا تعترف بتبعيتها لأى مؤسسات محلية وتكتسب مشروعيتها من الاتحاد الدولى..
فهل يتخذ المهندس حسن صقر خطوة بناءة ويفاجئنا بقيادة الأندية نحو رؤية اقتصادية غير مسبوقة، وهو مؤهل لذلك بحكم انطباعنا عنه كقيادة فوق مستوى الشبهات ولا يسيطر عليه الغرض، ولا يسعى منذ أن تولى منصبه إلى بناء شخصيته السياسية على حساب دوره الرياضى.. فهو على الأقل رياضى ممارس عميق العلاقة مع الملعب بخلاف من سبقوه فى هذا المنصب وكانت علاقتهم عميقة بالسياسة والمكاتب فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة