غادة عبود

من ربك؟

الخميس، 18 مارس 2010 07:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من ربى؟ ربى هو الذى عرف نفسه فى بداية كل سورة من كتابه الكريم "بسم الله الرحمن الرحيم" ولكن يهالنى الفزع عندما يأتى الحديث عن الله ولا يذكرون منه إلا غضبه وعقابه المستطير، إنى لا أنكر عقاب الله ولكن الكثير من الخطابات الدينية، سواء كانت عبر المنابر الإعلامية أو على مستوى المجالس الاجتماعية الصغيرة لا يذكرون إلا الجحيم التى لها شهيقاً وهى تفور، وتستنفر عروق أعناقهم وهم يذكرون أن الله هو العقاب والعقاب ثم العقاب.

ويتمادون.. فليشجعوك مثلاً على الصلاة لا يقولون لك أبداً كم تهدأ روحك وتصالح روحك وأنت تقيم الصلاة لله الذى أذا سألوك عنه فهو قريب، ولكنهم يختارون أن يرشقوك بالفسوق ثم وتحمر وجوههم وهم يحدثونك عن حياة تتلوى فيها بين الضلال الأعمى فى الدنيا ومصير مفزع فى الآخرة، هم يخلقون فيك الخوف من الله ويغذون ذلك الخوف حتى يصبح فزعاً ويقفون فوق رأسك بالعصاة يصفون لك عذاب القبر المحتم الذى لا نجاة منه ويتلذذون فى وصف العقاب وزرع الخوف حتى يطرح فاكهته "عبادة الخوف".

حتى الخطابات الدينية "المودرن" وأسميها بذلك الاسم لتطور الوسائل إلى دعايات إعلانية مصورة بكاميرا سينيمائية فى صورة فيلم صغير فى حدود الـ30 ثانية، وأنا هنا أتحدث عن حملة "أقم صلاتك"، الحملة ذات الهدف السامى التى تصور شباباً يأتيهم الموت فجأة مصوراً بحبكة سينمائية فى حادث مروع لم أراها فى أشد أفلام هوليوود عنفاً، ثم شاشة سوداء كتب عليها "أقم صلاتك" تسمرت فى مكانى من هذا الإعلان، نعم أجللت القائمين على هذا العمل تطوعاً ولأنى إعلامية، فأنا على دراية تامة بكم المجهود والتكلفة التى أفرزت هذا العمل، ولكن من سيتأثر بهذا الإعلان سيصلى ليقينه بأن الله هو الصاحب وهو السند؟ هو العادل، الكريم، السلام، أم يصلون "للخوف"؟ وهل طريق الله يعرف بالهداية؟ ولأن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان؟ ودليل الإيمان أن تلتزم مع الله 5 مرات فى اليوم تترك فيها كل شىء لتقف أمام الله تسجد له لتنعم بالأمان وأنت بين يديه؟ أم أنها مجرد وسيلة جديدة لنفس دعوة أن الله هو العقاب، العقاب الذى يتربص بك وينتظرك لينال منك؟

لم أسكت طبعاً.. وبحثت عن القائمين على الحملة وتواصلت مع أحدهم عبر فيس بوك وسألته لماذا الترهيب لتدعوا الشباب إلى الصلاة؟ لماذا لا تكونون منصفين مع نظرتكم لله، وكما أن عقاب الله حق فرحمته وكرمه حق أيضا؟ قال لى إن "حملة أقم صلاتك تنعم بحياتك" والتى كان مضمونها أن من كان مع الله، فالله يكرمه فى حياته ومماته، لم تأتِ بنفس رد الفعل القوى والمطلوب ولم يتجاوب معها المشاهدون كما تجاوبوا مع خطاب التخويف والوعيد، وهذا كان بناءً على دراسات وإحصائيات قام بها القائمون على الحملة!!!

سألته ثانياً: لكن كل شعور إنسانى له شعور توأم له فمع الحب تأتى الغيرة ومع الخوف يأتى التمرد، فقد يهرع كثيرون للصلاة ولكن من بعد ما يضنيهم الخوف والترهيب، خاصة الشباب بعد فترة قصيرة وعند أى ظرف فالتمرد ظليل الخوف، ماذا ستفعلون عندما فى أول لحظة ضعف ولحظات الضعف ما أكثرها فى حياة الإنسان وينتصر التمرد؟ هل ستقيمون حملة أخرى أشد ترهيباً؟ وهل أنتم تبحثون عن ردة فعل سريعة وقتية؟ أم طريق هداية؟ قال لى القائم على الحملة أتفق معك ولكن الناس لا يستيجبون إلا لهذا النوع من الخطاب، ولا يؤثر فيهم إلا الترهيب، شكرته على حسن مناقشته ورحابة صدره.

ولكن ظل استنكارى.. لماذا لا يعرف الكثير طريق الله إلا خوفاً منه؟ لماذا لا يريدون أن يتعاملوا مع الدين إلا من قشوره؟ وعندما يقرأون القرآن هل يتمعنون كيف يدعو الله إلى الطريق إليه ويصور لنا المؤمنين فى الدنيا هم على ثبات اليقين وفى الآخرة جزاء الصابرين نعيماً وملكاً كبيراً.

أرجو أن يتوقف من يقرأ هذا المقال لحظة ويسأل لنفسه مرة واحدة فقط، أرجوكم.. هل أصلى لله الواحد الرحمن؟ أم أصلى للعقاب؟ من ربى؟ من أولى بسجودى الله العادل الحكيم؟ أم الخوف من العذاب؟

أرجو هنا أن أعير الانتباه بأن الله - كما تعلمت فى مدرستى - أمرنا أن نعبده حباً وخوفاً وطمعاً، ولكن هناك أمر هام جداً: هناك نوعان من الخوف، أن يخاف المؤمن ألا يرضى الله عنه، لأنى فى هذه الدنيا زائر وعين الله ترعانى وأنا عائد إليه وأريد رضاه، أخشى عدم رضاه.. وهناك خوف آخر هو الخوف من العذاب.. أى نوع من العذاب.. وهذا النوع من الخوف ليس مرتبطاً بعقاب الله وأكرر للمرة الألف عقاب الله حق كما رحمته حق.

أنا هنا لا أنكر عقاب الله، ولكن فقط أشير الانتباه إلى التفريق بين خوف الخاشعين وخوف الدنيا المبنى على الترهيب دون التمعن فى محاولة التقرب إلى الله لترسيخ عقلية إيمانية تسلم بجلال الله.

أنعم على الله فى المرحلة المدرسية بالدراسة فى السعودية، فتعلمت الفقه والحديث والتلاوة والتجويد والتفسير، ولكنى أذكر درس عذاب القبر وكيف جعلت الأستاذة تحكى عن تفاصيل عذاب القبر بحذافيره وتملكنى الخوف حتى ارتعدت، وبدأت أصلى ليس بخوف المؤمنين ولكن بخوف الجبناء، ثم فى الفسحة الثانية خوفاً من صريخ وتعنيف الأستاذة لى واستغفر الله من جهلى به وأستسمح عفوه عن ضعفى.

ولكن عندما مر بى الزمن وبدأت أقرأ القرآن وأتمعن فى آيات الله، سألت نفسى من ربى؟ الأستاذة التى أخاف صريخها فأصلى؟ أم فوبيا الأماكن المغلقة التى أريد تجنبها؟ أم ربى الله الذى أرشدنى أن أعبده حباً وخوفاً وطمعاً؟

لست خريجة أزهر ولا لدى دكتوراه فى الفلسفة الدينية ولكنى معكم "أتفكر" كما أرشدنى الله أيضاً فى قوله الكريم (إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم "يتفكرون" فى خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) آية 190-191 آل عمران.

فيا أولى الألباب: أصحاب العقول فقط دعوة لنقف لحظة مع أنفسنا ونسأل: من ربى؟
إعلامية سعودية





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة