حرية الرأى والتعبير فى خطر، لا جديد، دائما هى فى خطر، ودائما تحت النيران ومستهدفة سواء بتحقيقات النيابة العامة فى الأخبار والآراء التى تتعلق بالموظفين العموميين فى الدولة أو الحكومة التى تضيق صدورهم بالنقد حتى ولو كان نقدا بناء، ويستهدف المصلحة العامة، أو أعضاء وقيادات الحزب الوطنى، أو بالإحالة للمحاكم، وتطبيق نصوص قانون العقوبات التى تضمن الحبس كعقوبة على الرأى، لاسيما وأن قانون العقوبات لا يزال يتضمن العديد من النصوص التى تجرم الرأى وتعاقب عليه بالحبس كعقوبة سالبة للحرية.
لا تزال مصر من الدول القليلة التى تطبق مثل هذه النصوص السالبة للحرية فى قضايا النشر والصحافة، الجديد الذى دفعنى إلى كتابة هذا المقال هو لجوء صحفيين وكتاب إلى القضاء لعقاب زملائهم على مقالات أو تحقيقات تناولونهم فيها، وكأنهم يبررون لغير الصحفيين، والكتاب استخدام العقوبات السالبة للحرية ضد حرية الرأى والصحافة، لاسيما وأن من يريد الانتصاف والاحتجاج على أى تناول للأشخاص يمكن أن يتم باللجوء إلى المحاكم المدنية، وطلب التعويض المدنى، لكن أيضاً هذا كان أمرا عاديا كثيرا من الصحفيين رفعوا قضايا على زملائهم الصحفيين، وصدرت أحكام بالحبس ضدهم رغم أن الصحفيين لديهم وسيلة إضافية للانتصاف هى نقابتهم، للجوء إليها وطلب تدخلها بالعقوبات التأديبية ضد من يتناول زميل بما لا يليق.
الأخطر هو ما حدث مؤخرا عندما كتب د. عمار على حسن الكاتب والباحث فى علم الاجتماع السياسى مقالا فى جريدة المصرى اليوم يتناول بالتحليل أخبارا أو شائعات أو تسريبات - صفها كما تشاء - تتحدث عن صفقة سياسية بين بعض أحزاب المعارضة والحزب الوطنى، بموجبها يقوم الحزب الوطنى بإعطاء أحزاب المعارضة عددا من مقاعد البرلمان فى الانتخابات البرلمانية القادمة، ونشر الكاتب صورة من قائمة تضم أسماء أعضاء فى حزب الوفد فى دوائر انتخابية محددة بلغت 23 دائرة انتخابية، واعتبرت الجريدة أن ما ورد فى المقال تضمن أخبارا تستوجب أن توضع فى المانشيتات الرئيسية فى الجريدة، الأمر الذى أدى إلى غضب شديد عند قادة أحزاب المعارضة، وهذا حق بالطبع ويضر بسمعة الحزب طالما كان الاتفاق مع الحزب الحاكم، ولهم الحق لنفى هذا الأمر، لاسيما وأن هذا إذ صح فسوف يؤثر على الأحزاب فى الشارع السياسى لاسيما فى ظل أن الانتخابات القادمة والتى تضمن استحقاقات هامة سواء فى التجديد النصفى لمجلس الشورى أو الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية تقوم على تنافس بين هذه الأحزاب والحزب الحاكم، الأمر الهام أيضا هو صعود حركة سياسية مستقلة يقودها د. محمد البر ادعى وهى تسعى لأن تضع مسافة بينها وبين الأحزاب السياسية، لكل هذه الحسابات جاء رد فعل الأحزاب غاضبا وبشكل خاص من الدكتور محمود أباظة رئيس حزب الوفد، وهذا مفهوم ومقدر طبعا، لأن المقال بالأساس يتحدث عن اتفاق ثنائى بين حزب الوفد والحزب الوطنى، وبدأت حملة حزب الوفد ضد صحيفة المصرى اليوم كل هذا من وجهة نظرى يدخل فى نطاق حالة سياسية صحية، فلا يمكن تصور تصرف آخر للدكتور عمار ولا لصحيفة المصرى اليوم غير النشر.
وبهذه الصورة فالأمر جلل، وعلى حزب الوفد أن يصحح الأمر بتكذيب ما نشر وله الحق طبعا فى نشر الرد فى نفس المكان، وبذات المساحة وفى نفس الصفحة فى جريدة المصرى اليوم وفقا لقواعد إعمال حق الرد والتصحيح، ولديه أيضا جريدة الوفد يستطيع أن يفند كل ما كتب ويرد عليه، لكن ما صدمنى فى الحقيقة هو إصرار حزب الوفد على الذهاب بالأمر إلى القضاء، والإصرار أيضا على وصف هذا الجدل السياسى بامتياز على أنه "جريمة" مكتملة الأركان، أو أنها قضية سب وقذف، وأنا أعلم مدى علم د. محمود أباظة كقانونى بارز لا يشق له غبار، فما ورد فى المقال هو ممارسة لحرية الرأى والتعبير، وشكل من أشكال الكتابة التى تجمع بين المعلومة والخبر والتحليل السياسى.
علماً بأن الصفقات السياسية بصرف النظر عن قبولنا لها من عدمه هى من آليات العمل السياسى المشروع، ففى النظم الديمقراطية التى تقوم على تعدد الأحزاب السياسية، دائما ما تدخل الأحزاب فى تحالفا سواء قبل الانتخابات أو بعدها، عند تشكيل الحكومة، وتسمى صفقات يحصل بموجبها الحزب على عدد من المقاعد فى الوزارة، كذلك يجوز أن يتم الاتفاق على دوائر انتخابية لا يتم فيها التنافس بين الحزبين الحليفين، وقد شهدت الحياة السياسية المصرية العديد من هذه التحالفات قديما وحديثا، ففى انتخابات عام 1984 بنى تحالف خاض الانتخابات تكون من حزب الوفد والإخوان المسلمين، كما تشكل تحالف آخر عام 1987 بين حزب العمل وحزب الأحرار والإخوان المسلمين، وفى هاتين الحالتين تم الاتفاق على عدم التنافس فى الدوائر، بل وتم الاتفاق على التصويت للقوائم الانتخابية – كان النظام الانتخابى يأخذ بنظام القوائم – طبعا من حق حزب الوفد أن يعتقد أن إطلاق هذه المعلومات يضر به ويضر بمرشحيه، ولكن هل الطريق لنفى هذا اللجوء إلى النيابة العامة وتقديم بلاغ، فى الحقيقة لا أتفق مع هذا، وآمل أن يعيد د. أباظة النظر فى هذا، وأن يمارس حق الرد وتفنيد كل ما كتب سواء فى جريدة المصرى اليوم، أو فى جريدة الوفد، ولعل المستفيد فى النهاية من هذا الجدل والحوار، هو الموطن المصرى فهل يفعلها أباظة؟!!!!!!!!!!!!!!.
• رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
حافظ أبو سعدة يكتب: عندما تصبح حرية الرأى جريمة!!
الخميس، 18 مارس 2010 08:15 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة