كشف تقرير حالة الديمقراطية فى مصر الثالث عشر، الذى أصدرته الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية بأن المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر يفتقد لأية آليات أو معايير ذات محتوى ديمقراطى عند مناقشته لأية موضوعات أو قضايا، مكتفياً فى ذلك بإعمال مبدأ التوافق، ومع بداية عام 2010 أعلن عن الدورة الجديدة للمجلس القومى لحقوق الإنسان والتى سوف تستمر لثلاث سنوات قادمة, استقبل الجميع التشكيل الجديد للمجلس بهدوء تام وربما بلا مبالاة، حيث حدث التغيير فى نسبة 30% فقط من أعضاء المجلس ولم يدخل فى تشكيل المجلس الجديد أى ممثل لمؤسسة حقوقية المجلس القومى إلا ممثلين عن المنظمة المصرية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهم أعضاء فى التشكيل السابق مع مزيد من رجال القضاء المتقاعدين والمزيد من أعضاء الحزب الوطنى الحاكم، والتى أصبحت الدولة تتعامل معهم على أنها تقوم بإرضاء هؤلاء القيادات بعد أن ينهوا عملهم فى الدولة, على حساب علاقة المجلس بمؤسسات المجتمع المدنى الأخرى، وذلك لتتسع الهوة بين المجلس وبين المنظمات والجمعيات الحقوقية الأهلية.
وراح التقرير يحاول الإجابة على سؤال هام حول هل المجلس القومى لحقوق الإنسان يستطيع أن يحافظ على حقوق الإنسان فى مصر ويدعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية فى صون حقوق الإنسان فى مصر؟
وكانت الإجابة بالطبع لا، وذلك لأن الإطار الذى يعمل فيه المجلس هو إطار غير ديمقراطى يقوم أساساً على التعيين وليس الانتخاب، وذلك مثل العديد من المجالس القومية الأخرى مثل المجلس القومى للأمومة والطفولة والمجلس القومى للرياضة والشباب، أو أية لجان لها علاقة بالشأن العام فى مصر، وقد يذهب البعض إلى القول أن هذا المجلس يجئ فى إطار التوصية التى وضعتها الأمم المتحدة فى دورتها الثامنة والأربعين التى عقدت فى الرابع من مارس عام 1994 والتى تطالب الحكومات بإنشاء تلك المجالس سواء بالانتخاب أو بغير ذلك، والذى نود أن نشير إليه أن الأمم المتحدة فى أغلب قراراتها تخضع دائماً للموائمة السياسية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ومن ثم فإن الارتكان إلى النص باعتباره هو القاعدة المسلم بها يفرغ التراث الإنسانى من مضمونه الحداثى، واختزاله فى قوالب جامدة، وهو أمر للأسف الشديد يتسم به العديد من المشتغلين فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وهو عبادة النص وكأننا نتحول من أصولية دينية إلى أصولية حقوقية، الأمر الذى ينفى عن حقوق الإنسان طابعها الجدلى، واستبداله بطابع وظيفى، وهذا هو ما نراه فى التعديلات التى جرت مؤخراً للمجلس القومى لحقوق الإنسان والذى قام بتغيير نسبة 30% من أعضائه ولم يتم اختيار أى ممثلين عن الجمعيات والمؤسسات العاملة فى مجال حقوق الإنسان، بل تم البقاء على عضويين فقط وهما حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والوزير محمد فايق الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ولم يتم اختيار أى أعضاء آخرين داخل المجلس لهم علاقة بالمؤسسات والجمعيات الأهلية العاملة فى مجال حقوق الإنسان، فقد أصبح المجلس القومى لحقوق الإنسان وجاهه اجتماعية لرؤساء النيابة السابقين والمستشارين السابقين وكل من له علاقة بالأجهزة التنفيذية للدولة، والذى جعل طبيعة تشكيل المجلس من هؤلاء الأعضاء هو عدم الانتخاب، ففى الوقت ذاته فإنه إذا كان المجتمع المدنى وكما صاغه التراث الحقوقى هو القائم على الاختيار الحر، فهل المجلس القومى لحقوق الإنسان يندرج ضمن هذا الإطار؟ وهل نشأة هذا المجلس الذى يقوم على إرادة السلطة التنفيذية الممثلة فى الحكومة هو تعبير عن موقف إرادى حر؟ وعلى الرغم من كل ذلك، فإننا نقول إنه إذا كان من حق الحكومة أن تبادر فى إنشاء المجالس القومية سواء فى حقوق الإنسان، أو السكان، أو المرأة، أو الطفولة.. إلخ، فلماذا تمنع الآخرين من ممارسة ذات الحق؟ سواء كان حقهم فى تكوين الجمعيات والمنظمات، وهنا سينطبق عليهم معايير النزاهة والشفافية, إن الوقوف عند حدود المبادرة الحكومية هو للأسف حتى فى حدوده الدنيا هو فهم قاصر لتوصية الأمم المتحدة فى هذا الشأن وأيضاً المواثيق الدولية التى تؤكد على حق التنظيم القائم على العمل الإرادى الحر فى إطار من العمل السلمى.
أيضاً هناك العديد من الحجج التى يتم تسويقها فى هذا الشأن حول فعالية المجلس وهى تنطوى على أن المجلس يضم كوادر بشرية من المشهود لها بالكفاءة والنزاهة ونحن من جانبنا لا نشكك فى نزاهة أحد ولكن هذا المعيار هو معيار شكلى، لأن تلك الكوادر جاء تعيينها بقرار حكومى، ويمكن حجب الثقة عنها فى أى وقت تراه الحكومة مناسباً، طالما أن هذه الكوادر لا تملك من أمرها شيئاً، وطالما لا تخضع لإرادة حرة هى التى قامت باختيارها للقيام بهذا الدور وهى التى لها حق محاسبتها إن هى حادت عن الدور المرسوم لها وليس الحكومة التى كل ما يهمها أن تأتى التقارير التى سوف يصدرها هذا المجلس متوائمة مع خططها وسياساتها، وفى هذا الإطار لم نندهش حينما يصرح رئيس المجلس فى حديث له مع جريدة الوفد - عدد 5354- حينما قال "إن مهمة المجلس استشارية ولا يعنى ذلك أن تكون قراراته أو توصياته ملزمة للحكومة، وأوضح أن مهمة المجلس هى إعداد الدراسات وتقديمها للحكومة التى تقرر تنفيذها أو عدم الأخذ بها وفى حديث آخر لمجلة المصور، قال إن من بين أهداف المجلس هو تحسين صورة مصر فى المحافل الدولية".
أيضاً هناك العديد من الأقاويل التى يتم الترويج لها من أن هذا المجلس سوف يساعد على تقوية حركة حقوق الإنسان، ولا نعرف كيف سيحدث ذلك، خاصة فى ظل مبدأ التعيين الذى يقوم عليه، وليس الإرادة الحرة للأفراد والمؤسسات التى عادة ما يتم وأد أى تحرك لها، فهل القرارات الإدارية الحكومية يمكن أن تساهم فى تطوير حركة حقوق الإنسان؟ فى الوقت الذى تمتلئ فيه خزانة الحكومة بالقوانين والقرارات التى تحد من نمو وتطور أى حركة مدنية، إن ما تسعى إليه الحكومة ومن خلال هذا المجلس هو احتكار خطاب حقوق الإنسان وتوظيفه لصالحها مثلما هو الحال فى كافة الميادين الأخرى، والعمل على احتواء حركة حقوق الإنسان وإضعافها وليس العكس، ولنا فى الواقع المنظور مثلُ ودليل على ذلك، حيث شهد واقع حقوق الإنسان فى مصر انقساماً حاداً بشأن هذا المجلس، وكيفية التعامل معه، حيث لم تقم الحكومة بمشاورة العاملين فى هذا المجال من منظمات حقوقية مختلفة، واكتفت فى هذا المقام باختيار بعض الأفراد العاملين فى هذا الحقل دون حتى مشاورة من تم اختيارهم، ومثل هذا المبدأ يتيح للحكومة حرية أوسع للحركة فى ممارسة لعبة العصا والجزرة.
تقرير حالة الديمقراطية: المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر يفتقد لأية آليات أو معايير ذات محتوى ديمقراطى ويقوم على التعيين وليس الانتخاب
الخميس، 18 مارس 2010 09:29 م