يسرى فودة

قمة الخنوع التطوع بالخنوع

الأربعاء، 17 مارس 2010 07:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتواصل الناس فيما بينهم أحياناً عن طريق اللفظ Verbal Communication وفى معظم الأحيان بطرق أخرى غير اللفظ Non-Verbal Communication. أحد التعريفات التى قدمها الجاحظ للبلاغة هو أنها «مناسبة المقال لمقتضى الحال»، وفى عالم السياسة والدبلوماسية يكتسب التواصل المناسب فى الوقت المناسب فى المكان المناسب أهمية خاصة بحيث يمكن أن تنشأ مشكلة كبرى حول ما قد لا يرى فيه كثير من الناس مشكلة صغرى.

نستطيع أن نتحدث عن كثير من «البروتوكولات غير اللفظية» لكننا لا ندرى لماذا يقبل كثير من المسئولين العرب على سبيل المثال أن يتطوعوا بالخنوع حين يجلسون كما يجلس التلاميذ أمام الأستاذ فى حضرة نظرائهم، خاصة الإسرائيليين والغربيين، أو حين يسمحون لأذرع هؤلاء بالالتفاف حول أكتافهم فى طريقهم إلى اجتماع وكأنهم أطفال بلهاء. إنها رسالة »غير لفظية« خطيرة تخترق حواجز الإدراك فى لقطات عابرة، إن كان من حقهم أن يقبلوها على أنفسهم فليس من حقهم أن يقبلوها على مواقعهم ولا على مواقع بلادهم..

قفز هذا الخاطر إلى ذهنى وأنا أرى نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فى رام الله الأسبوع الماضى ثم أراه مرةً أخرى على النقيض قبيل مغادرته تل أبيب يوم الخميس الماضى وقد وقف يتحدث لا عن عنجهية نتنياهو وشركاه، ولا عما تشهده حرمات المسلمين فى فلسطين من انتهاك سافر سافل، ولا عن إعلان إسرائيل يوم وصوله عزمها بناء 1600 وحدة سكنية أخرى على أرض مسروقة، بل عن العلاقة الأزلية السرمدية الخاصة بين واشنطن وتل أبيب.

وقف جو بايدن يتحدث وقد اختلطت الرومانسية والعاطفية بملامح وجهه ونبرات صوته وهو يتذكر موقفاً جمعه بامرأة يهودية اقتربت منه فى الزحام عندما كان يزور إسرائيل قبل عشر سنوات. لم يلتفت إليها فى البداية لكنها قالت له: »إن لدينا سلاحاً سرياً فى إسرائيل«. قفز إلى ذهن أخينا أنها ربما كانت تقصد سلاحاً نووياً أو نحو ذلك غير أنها، على حد قوله، استطردت حين التفت إليها: «هذا السلاح السرى هو أنه لا يوجد لدينا مكان آخر نعيش فيه» ... يا سلاااااام!.

قبل ذلك بيومين، يوم الشهيد المصرى، وجدت نفسى أقطع الطريق إلى الإسماعيلية كى أقرأ الفاتحة أمام تمثال عبد المنعم رياض فى الرابعة إلا ربعاً ساعة استشهاده على خط المواجهة يوم 9 مارس 1969. لم أجد أثراً لموسيقات الجيش ولا لأى أحد من الجيش ولا لباقة ورد تحت قدميه. كل ما وجدته حوالى عشرة مصريين أوفياء يحوط بهم حوالى عشرين من ضباط الشرطة المدنية وجنودها يقودهم لواء كل همه تفريقهم فى «سلام».

فى طريق العودة، اكتشفت فجأة أنه ربما يكون من واجبى الوطنى والحال كذلك، أن أوجه اللوم أولاً إلى ذلك الإحساس بالمرارة الذى لا يزال يتملكنى، وألا آتى بهذه الفعلة مرة أخرى كى لا تتعطل حركة المرور، وأن أقدم اعتذاراً إلى عسس مصر الذين ساهمت فى تعطيلهم عما هو أهم، وأن أطلب الصفح من إسرائيل، لربما تكون قد تأذت نفسياً من جراء هذا العمل الطائش وأنا لا أدرى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة