منذ نشأة إسرائيل، صدرت مئات الكتب التى تتحدث عن وحشيتها ودمويتها والمجازر التى ارتكبتها بحق الفلسطينيين، خاصة أثناء حرب 1948، بعض هذه الكتب أحدثت ضجة وأثارت جدلاً وانتقادات أكيدة من الدولة العبرية بمعاداة السامية، وأخرى مرت مرور الكرام.
إلا أن كتاباً صدر مؤخراً يتحدث عن الإرهاب اليهودى ربما يكون هو الأبرز والأهم بين جميع ما نشر فى هذا المجال لأسباب عديدة. أولها أن مؤلفى الكتاب الذى يحمل عنوان "الإرهاب اليهودى فى إسرائيل" وهما باحثان يهوديان وإسرائيليان ويدعيان آمى بدهزور وأرى بيرليجر ومتخصصان فى دراسة الإرهاب والأمن، وثانيها أن الكتاب صادر عن جامعة كولومبيا الأمريكية العريقة والمتميزة بإصدار كتب هامة فى شتى المجالات.
أما السبب الثالث فهو الجهد الخارق الذى تم بذله واستغرق سنوات طوالا، تمكن فيها المؤلفان من الحصول على وثائق سرية للحكومة الإسرائيلية، وإجراء مئات المقابلات التى روت العمليات الوحشية التى نفذتها إسرائيل.
وتقول دورية فورين أفيرز الأمريكية عن هذا الكتاب إنه الثانى الذى يصدر عن جامعة كولومبيا ضمن سلسلة دراساتها عن الإرهاب والحرب غير النظامية، وأنه يسرد التاريخ والحاضر بالنسبة للعنف الإسرائيلى، ويوثق ليس فقط الأمثلة التى نتذكرها جيداً مثل اغتيال الكونت فولك برنادوت عام 1948، واغتيال بردوخ جولدشتاين فى مدينة الخليل عام 1994، وكذلك اغتيال إسحاق رابين عام 1995، بل إنه يوثق أيضا كل عمل إرهابى تم ارتكابه من قبل اليهود الإسرائيليين.
وقد درس المؤلفان بشكل بعيد الانفعالات والخلفيات والشبكات الاجتماعية ودوافع الإرهابيين مع تجنب العثرات التى تواجه دراسة الإرهاب بشكل عام مثل التعبير عن الغضب فى حالة السلوك غير الإنسانى أو اعتبار الإرهابى بأنه مناضل يبحث عن الحرية.
وتقول فورين أفيرز أيضا إن الكتاب قدم مقارنة بين الإرهاب اليهودى والآخر الإسلامى، وأظهرت أن الإرهاب الدينى ليس بظاهرة تتعلق بالإيمان.
ويضم الكتاب ثلاث قواعد بيانات تشمل 309 هجمات إرهابية يهودية فى فلسطين المحتلة منذ 1932 وحتى 2008 سواء ضد الفلسطينين أو غيرهم، وكذلك معلومات مهمة عن 224 إرهابى شاركوا فى تنفيذ هذه الهجمات، كما يقدم الكتاب وصفاً تفصيلياً للعلاقات التى تربط بين الشبكات الإرهابية اليهودية المختلفة. ويضم أيضا استطلاعات أجراه المؤلفان على أكثر من4800 شخص فى المجتمعات التى احتضنت الإرهابيين.
ويرصد المؤلفان بدهزور وبيرليجر عبر صفحات الكتاب التى يصل عددها إلى 264، أهم العمليات الإرهابية اليهودية بدءاً من هجمات أفراد أسرة هاسمونيان اليهودية المتطرفة على الحكام الرومان فى فلسطين القديمة، وهى التى تعد أول أعمال إرهابية فى التاريخ الإنسانى، وحتى العمليات التى وقعت عام 2008
وأهم ما يميز هذا الكتاب أيضا أنه يقدم وجهة نظر مختلفة عن العلاقة بين الدين والإرهاب، يقول المؤلفان فيها إن الإرهاب لا يقتصر على المتطرفين الإسلاميين فقط، بل هناك حلايا إرهابية أخرى ربما يزداد تطرفها وعنفها عن نظيرتها الإسلامية. ومن ثم يذهب الكاتبان إلى أن العقيدة وحدها لا تخلق الميل إلى العنف، والدليل على ذلك أن الإرهاب الدينى لا يمثل سوى 15% من الإرهاب الذى انتشر خلال القرن الماضى.
فيقول الكتاب: إن حقيقة أن هؤلاء المسئولين عن موجة العنف التى وقعت خلال العقود الأخيرة كانت تحركهم دوافع دينية قد أثارت نقاشاً أكاديمياً ركز على المسئولية المباشرة للأديان بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة فيما يتعلق بالعنف السياسى، لدرجة أن النصوص الخاصة بـ "العنف" فى العهدين القديم والجديد والقرآن، تعرضت لانتقادات حادة، ونتيجة لذلك، ظهر اتجاه آخر بديل يذهب إلى أن الأسباب الحقيقية للإرهاب تكمن فى الكفاح للحصول على المصادر الطبيعية أو الأرض أو النفوذ السياسية، وأن الدين فى حد ذاته ليس السبب الرئيسى للعنف.
للمزيد من الاطلاع اقرأ عرض الصحافة العالمية على الأيقونة الخاصة به.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة