"مصر لن تكون ملكية أكثرمن الملك" قالها الدكتور هانى رسلان، مدير وحدة السودان ودراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات فى رده على سؤال حول تعامل مصر مع خطط انفصال جنوب السودان فى دولة مستقلة، مؤكدا على أن القاهرة عملت خلال السنوات الماضية لإقناع الجنوبيين بضرورة الاستمرار فى الوحدة، لكنها عندما وجدت أن السودانيين متمسكين بالاستفتاء على حق تقرير المصير فى يناير 2011، حولت إستراتجيتها إلى محاولة الحفاظ على الوحدة.
رسلان فى حواره مع اليوم السابع تحدث عن سيناريوهات الانتخابات السودانية وكشف عن عدم تأثر حصة مصر المائية حال انفصال جنوب السودان.
مع قرب الانتخابات السودانية يدور الحديث الآن حول تأجيلها.. هل ترى أن هذه الأمور قد تؤثر على مسيرة الانتخابات؟
الانتخابات حتى هذه اللحظه يوجد حولها جدل كبير، البعض يطالب بتأجيل الانتخابات لوقت لاحق منهم قوى سياسية شرعية موجودة بشكل أحزاب، وأحزاب أخرى مسلحه مثل حركة العدل والمساواة وآخرين يشككون فى العملية الأنتخابية مثل عملية تسجيل الناخبين، ويقولون إن هناك تفاوتات فى عملية التسجيل، وبالفعل فى بعض الولايات خاصة الجنوبية تجد المسجلين مجموعهم أكبر من عدد سكان الولاية المسجلة بالإحصاء الأخير، هذا من الناحية الإجرائية، من ناحية أخرى مواقف الأحزاب ليست حاسمة بشكل كامل مثل حزب الأمة الذى أعلن عن ترشيح رئيسه الصادق المهدى فى الانتخابات الرئاسية وأعلن عن دخوله فى كل المستويات، وفى نفس الوقت يستخدم صيغ غير حاسمة مثل أنه سيستمر فى الانتخابات إذا تأكد من شئ معين ويعلق استمراره فى المشاركة على أشياء أخرى، وهو ما يعكس نوعا من التردد لدى بعض القوى السياسية التقليدية وهى لديها وزن تاريخى معين وهى تطالب طوال 20 سنة بالتحول الديمقراطى، وكانوا يطالبون بالانتخابات وعند قدومها وجدوا أن أحزابهم محتاجة إلى إعادة تنظيم وتمويل ضخم وهناك تخوف من أن أحزابهم تفقد وزنها التاريخى أو أن الانتخابات ستفصح عن نتائج يخسرون فيها وزنهم.
فى مقابل الحديث عن التأجيل فإن الدولة ترى أن الانتخابات مكلفة وتزيد تكلفتها عن 300 مليون دولار، تتلقى السودان جزءً منها من الخارج والباقى تحملته الحكومة السودانية، وبالتالى فالحكومة ترى أنها لا تستطيع بعد كل هذا التراجع عن إجراء الانتخابات، كما أن الظرف السياسى غير مناسب للتأجيل خاصة وأن استفتاء حق تقرير المصير للجنوب سيكون فى يناير 2011.
هناك تلميحات بأنه إذا اجتمعت القوى السياسية على التأجيل سيتم ذلك.
احتمال التأجيل أمر غير وارد، خاصة أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تقول بأنها تشترط لكى توافق على تأجيل الانتخابات تنفيذ الاستفتاء فى موعده لأنه كان يوجد فترة 6 سنوات كفترة انتقالية ولم يتم فيها شىء يشجع على الوحده فماذا ستفعل فتره السنتيبن؟
إذا تمت الانتخابات فى موعدها من هو صاحب الحظ الأوفر للفوز؟
الانتخابات تتم على 6 مستويات فى وقت واحد ثلاث منهم تنفذية و3 منهم تشريعية المستويات التنفذية هى انتخابات رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس حكومة جنوب السودان وانتخابات ولاة 25 ولاية، أما الثلاث انتخابات الأخرى التشريعية فهى تخص البرلمان القومى وبرلمان حكومة الجنوب وبرلمانات الولايات.
ورغم تعدد الانتخابات فإن كل الأنظار مركزة على موقع الرئاسة لأن الأشياء الأخرى فى نهاية المطاف أمور التنافس فيها غير مغرى والأكثر حظا على موقع الرئيس هو عمر البشير، لكن حزب المؤتمر الوطنى يأمل أن يفوز عمر البشير من الجولة الأولى لأن أى إعاده سيكون لها ترتيبات وتكاليف أخرى.
وفى المقابل أحزاب المعارضة الأعضاء فى تحالف مؤتمر جوبا يتبعون إستراتيجية تشتيت الأصوات التى قدمها الدكتور قدمها حسن الترابى زعيم حزب المؤتمر الشعبى، بمعنى أن كل قوى سياسيه ترشح مرشحا منفردا الذى سيأخذ من وعاء المؤتمر الوطنى وهذا سيقف حائلا أمام فوز البشير من الجولة الأولى، وبالتالى الدخول إلى مرحلة الإعادة التى تتكاتف فيها قوى المعارضة خلف مرشح واحد فى مواجهة البشير.
هل نتيجه الانتخابات ستؤثر بالسلب أو الإيجاب على اتفاقيه السلام بين الشمال والجنوب؟
هذا غير صحيح فما يقال عن أن فوز البشير سيؤدى إلى تفتييت السودان هو نوع من الدعاية السياسيه، لأنه فى مناسبة سابقة عند خروج مظاهرات تهتف بسقوط البشير، وقف رئيس حكومة الجنوب سلفاكير وقال إذا سقط البشير فمن الذى سيطبق معنا اتفاقيه نيفاشا، وهذا يعنى أن الجنوب بحاجة إلى استمرار البشير فى الحكم لتطبيق اتفاقيه السلام إلى أن يتم حق تقرير المصير، والجنوب غير معنى بالانتخابات السودانية من الأساس لأنه لم يرشح أحد القادة التاريخين للحركه الشعبيه لتحرير السودان وفضلوا ترشيح كادر من الصف الثانى وهو ياسر عرمان وهو فى الأصل شمالى وينظر له على نطاق واسع أنه ليس أصيلا، إذا فاز فى الانتخابات فهو مكسب وإذا خسر فالحركة لم تخسر كثيرا لأن مشروعها الأساسى هو الانفصال، وإذا كانوا يريدون الوحدة كان من الممكن أن يرشحوا سلفاكير نفسه ولكن هذا سيحول بينه وبين لمنصب رئيس حكومة الجنوب وهذا أهم لهم فى المرحله الحاليه وفى نفس الوقت يحتفظ بموقعه كنائب للرئيس.
هل الموقف الأساسى لدى الجنوب هو الانفصال أم أن هناك توجهات فى الجنوب تؤيد الوحدة مع السودان؟
الخشية من أن الجنوب غير مهيىء بعد أن يكون دوله مستقلة وهذا يرجع إلى حاجته للكثير من الأشياء، مثل البنيه التحتيه والكوادر الإدارية لإداره الدولة، فالجنوب يفتقد الحد الأدنى من القدرة لبسط الأمن وحفظه بالنسبة للمواطنين، ويفتقد الأساسيات الأولى للتنميه مثل الطرق وموارد الطاقه والكهرباء.
النقطه الثانية متعلقة بالقضايا العالقة مع الشمال، حيث لم يتم ترسيم الحدود بعد بين الشمال والجنوب، ويوجد خلاف على مناطق البترول، وكل طرف يريد رسم الحدود على أن تضم داخل حدوده آبار البترول، بالإضافة إلى مشكله أخرى مثل مناطق التخوم التى تعانى من قضايا كثيرة غير محسومة ويجب حسمها عند الانفصال.
الأمر الآخر ما هو مصير الجنوبين الموجودين فى الشمال إذا حدث الانفصال، الآن هم مواطنون سودانيون ويستطيعون الإقامه فى أى مكان فى القطر، ولكن عند الانفصال لن يكون مواطنا سودانيا.
أعتقد أن الجنوبين يريدون الانفصال فى الوقت الحالى، وبعد ذلك يجدون يحاولون إيجاد طريقة للتعامل مع الشماليين حتى لو كانت فى إطار كونفدرالية.
ثارت تساؤلات عدة حول تذبذب الموقف الأمريكى تجاه الانفصال، كيف ترى ذلك؟
الغرب موقفه مراوغ خاصة الولايات المتحدة الأمريكية لأنهم يقولون سنحترم قرار الجنوبين إذا كان الأنفصال أو الوحدة، لكن هو معروف سلفا أن الجنوبين سيصوتون للانفصال، وأمريكا تدعم هذا عمليا بـ 2 مليار دولار للبنيه التحتية.
وأين العرب من هذه المخططات وخاصه مصر؟
مصر مع الوحدة طوال الوقت ولم يتغير على الإطلاق موقفها، بل إنها نبهت منذ فترة طويلة على أن الحل للأزمة السودانية ليس فى إعطاء حق تقرير المصير ولكن الحل فى تطبيق قواعد المواطنة المتساوية لكل السودانين بدون أى تمييز للعرق أو الديانه أو أى شىء، لكن فى نهاية المطاف القوى السياسية توافقت على حق تقرير المصير، بالتالى مصر وجدت أن هذا أمر واقع وعليها التعامل معه وتحولت من معارضة حق تقرير المصير إلى محاولة الحفاظ على الوحدة وبذل الجهد لتقريب وجهات النظر والبقاء على علاقات طيبة مع جنوب السودان.
هل مصر ترتب للانفصال؟
هى لا ترتب للانفصال لكن مصر تدعو للوحدة وتشجع الأطراف على الوفاق الداخلى، لكن فى نهاية المطاف إذا اختاروا الانفصال فمصر لن تكون ملكية أكثر من الملك، وما نفذته من قبل سيبقى فى رصيد علاقاتها معها مع الدولة الجنوبية، ومصر من حقها الاحتفاظ بعلاقات تعاونيه وعميقه مع الدولتين وهذا يحقق مصالح الأمن القومى من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل لمصر الاحتفاظ بالعلاقات مفتوحة مع الطرفين وتستخدم ذلك فى المساعدة على تجاوز الخلافات والمشاكل.
هل ترى أن تدخل مصر مع الجنوب أزعج الشماليين؟
يبدو لى أنه فى بعض القطاعات تريد أن يمر الدعم المصرى للجنوب عبر الشمال، ولكن النخبة السياسيه تفهمت هذا الموقف وأصبحت مرحبة بأى جهد مصرى للجنوب وترى أنه إيجابى بشكل عام، والجنوبيون قالوا، إن مصر دعمتهم أكثر من دعم الحكومة القومية الموجودة بالخرطوم.
كيف ترى الحوار الذى استضافته القاهرة بين الشمال والجنوب وعقبة الدين؟
هذا كلام غير صحيح لأن اتفاقيه نيفاشا عبارة عن مساومة تاريخية للوصول لحل وسط بين مشروع السودان الجديد وبين مشروع الإسلام الحضارى، وهو أن القوانين الإسلامية تبقى فى الشمال والاقتصاد يكون محررا من القوانين الإسلامية، كما أن الجنوب ليس من حقه فرض نوعية معينة من القوانين على الشمال.
البعض طرح عددا من التخوفات تتعلق بتاثر حصة مصر فى مياه النيل حال الانفصال، كيف ترى هذه التخوفات؟
مياه النيل التى تأتى من جنوب السودان لا تؤثر كثير على حصة مصر من المياه لأنها تمثل 16% فقط من حصة مصر الحالية التى تبلغ 55 ونصف مليار متر مكعب، 84 % منها يأتى من الهضبة الأثيوبية، لكن تبقى منطقة جنوب السودان مهمة بالنسبة للسياسة المائية المصرية لأن هذه المنطقة هى التى سوف تستوعب كمية كبيرة من المشروعات المقترحة بالمبادرة المشتركة لحوض النيل وهدف هذه المشروعات توفير جزء من الفاقد الذى يضيع فى المستنقعات، فبالتالى يجب أن تحتفظ جنوب السودان فى حالة الانفصال بعلاقات طيبة مع مصر للتعاون فى هذه المشروعات، فيما يتعلق بالإيرادات المائيه لبلدان حوض النيل،ودولة جنوب السودان ملزمة بالمعاهدات التى وقعتها السودان فحصة السودان ستقسم على الشمال والجنوب .
قال إن البشير سيفوز فى الانتخابات لأنه الضامن لتحقيق اتفاق نيفاشا للسلام..
هانى رسلان: انفصال جنوب السودان قادم
الأحد، 14 مارس 2010 03:14 م