ما حدث فى مدينة مرسى مطروح، عاصمة محافظة مطروح (الحدودية)، من أحداث طائفية "مسلحة" هو أمر يستوجب التوقف والتدقيق، فهذه المدينة الساحلية الهادئة لم تشهد فى تاريخها ما تشهده محافظات الصعيد والدلتا من أحداث "فتنة" بين المسلمين والمسيحيين، باستثناء واقعة وحيدة حدثت منذ حوالى 3 سنوات عندما أراد الأقباط تعلية وتوسعة كنيسة السيدة العذراء بقلب المدينة، ووقتها حدثت احتكاكات لفظية بين شباب الجانبين، سرعان ما تدخل العقلاء لاحتوائها، دون أن تصل لما هو أبعد من ذلك.
استغرابى من أحداث الجمعة الماضية بمنطقة الريفية والتى أسفرت عن إصابة 24 شخصا وإحراق عدد من المنازل والسيارات، نابع من كونى واحدا من أبناء هذه المدينة، وكذلك خوفى على عدوتها بفيروس "الطائفية الدينية" الذى لم يترك ركنا ولا واديا فى مصر إلا وأصابه بـ"السهر والحمى".
مطروح، مجتمع بدوى، يقترب من النصف مليون نسمة، معظم سكانه من خمس قبائل رئيسية هى "أولاد على الأبيض، وأولاد على الأحمر، والجميعات، والسننة، والقطعان"، وهى قبائل تنقسم إلى عشرات الأفرع والعشائر والبيوت، ولها امتدادات ديموجرافية بأغلب محافظات الجمهورية، خاصة الإسكندرية والبحيرة والشرقية والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج"، وباقى سكان مدينة مرسى مطروح بصفة خاصة من الوافدين من شتى أنحاء الجمهورية الذين ارتبطوا بالبدو مصاهرة ونسبا، وحتى فى العادات والتقاليد وطريقة الملابس، باختصار تأثر الوافدون والبدو بالطابع المطروحي، حتى فى بروتوكولات الأفراح والمناسبات الاجتماعية الأخرى.
ولم يكن الأقباط حتى وقت قريب بهذا التواجد الكثيف فى مطروح، اللهم إلا فى فصل الصيف، لقضاء الإجازة، ثم زاد ترددهم عليها بعد الطفرة السياحية والخدمية الكبيرة التى حدثت على يد الفريق محمد الشحات محافظ مطروح الأسبق، ووجدوا فيها "الأمن والأمان" وكانوا دائما يثنون على أهلها، وكنت أسمعهم بأذنى يقولون على شعب مطروح "ناس طيبين"، لما يجدوه من "واجب الضيافة" الذى لا يفرق بين مسلم وقبطى، وحتى فى إطار المعاملات التجارية بين الناس، وأكثر براهين ذلك، أنه رغم أن مرسى مطروح مشهورة ببعض المنتجات والزراعات والثمار، وتنتشر فيها محمصات اللب الأبيض والأسمر التى يمتلكها مسلمون، تبقى محمصة وحيدة بشارع علم الروم يمتلكها أقباط، هى الأشهر على الإطلاق.
وحتى فى رمضان الماضى الذى جاء فى "عز الصيف"، أذكر أن كل الأفواج التى امتلأت بها الفنادق والقرى السياحية والشقق السكنية، كانت من الأقباط من كافة محافظات الجمهورية، ولم نسمع عن تضييقات، بل على العكس تماما، فالجميع سعى إلى لقمة عيشه لتعويض خسارة موسم الصيف الذى انزوى سريعا بسبب حلول شهر رمضان وعودة المدارس، لم تغلق المحال ولا المطاعم ولا توقف الشباب الذى يعمل على الشواطئ وفى القرى السياحية عن العمل (إلا القليل حتى أكون موضوعيا)، رغم أن الجميع صائم!
إذن، ما الذى طرأ على هذه المدينة الهادئة؟
قل ما شئت عن الطبيعة البدوية الفطرية التى تتلاءم مع المد السلفى المسيطر هناك، ستجد شبابا ورجالا ملتحين، وفتيات ونساء منتقبات، لن تجد وجودا للأحزاب السياسية إلا مكاتب خاوية، وضعت كديكور تكميلى فقط لمقرات القاهرة، ولن تجد جذورا ولا حتى عروق لجماعة الإخوان المسلمين، سوى بعض المجتهدين
(لا يزيدون عن المائة) يحاولون اختراق المجتمع هناك، لكنهم حتما يعانون من صلابة وتأثير التيار السلفى، وهو تيار لا يشكل خطرا على الأمن العام ولا تخشاه الأجهزة الأمنية فى المحافظة، لأنه يدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يثبت أن نفخ يوما فى نيران الفتنة، هو تيار يريد أن يكون دعويا بين جدران المسجد، ولم يكن له يوما أى ميول تنظيمية أو انقلابية حتى فى إطار مجتمعه الداخلى، حتى لا تتوجه الاتهامات أو يحاول البعض الربط بين طبيعة المجتمع (الفطرية) وأحداث طائفية، أثارها شباب (مسلمون ومسيحيون) يعانون من بطالة وعدم التفات الدولة إليهم ولا تتوافر لديهم أى منابع للاستثمار، ولا مصانع تحتويهم، سوى فصل الصيف الذى يستمر 3 أشهر فقط، يدخر دخله الأهالى إلى مشارف الصيف الذى يليه، وما زاد من معاناتهم أن شهر رمضان سوف يضرب موسم الصيف لخمس سنوات قادمة - على أقل تقدير.
فلتذهب تصريحات المسئولين الوردية إلى الجحيم، بعد أن رفعوا أيديهم عن المحافظات الحدودية، حتى سقطت تلك المحافظات فى براثن الفتنة والطائفية. ورغم أن الدولة تعرف حقيقةً أن ملف الصحراء الغربية لا يمكن بأى حال من الأحوال التعامل معه مثل ملف "الصحراء الشرقية"، فلو وضعت فى اعتبارها تشابه الملفين، فهى بذلك فعلت كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فلا البكاء سيأتى بما هلك، ولا الوقت سوف يسمح بذلك.
مرسى مطروح مدينة ساحلية هادئة غريبة عن الطائفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة