معصوم مرزوق

إسرائيل فى الفضاء.. رحم الله من فى الأرض!!

الأحد، 14 مارس 2010 06:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى تعليق الصحف الإسرائيلية على خبر التحاق أول رائد فضاء إسرائيلى بسفينة فضاء أمريكية منذ فترة، نقلت تصريحاً سابقاً للبروفيسور موشيه جيلما، مدير معهد إسرائيل التكنولوجى الذى قال فيه: "منذ اللحظة التى امتلكت فيها إسرائيل إمكانية إرسال أقمار صناعية فى الفضاء حول الأرض على ارتفاع مئات الكيلومترات، فأنها امتلكت فى نفس الوقت المقدرة على إطلاق صورايخ يمكنها ضرب أى مكان على الأرض"..

أى أرض يا سيدى؟
وحيث إن البروفيسور الإسرائيلى الذى يزيد عمره الآن عن ثمانين عاماً لم يحدد على وجه الدقة أى أرض يعنيها بالضبط، وحيث إنه ينبغى اتخاذ كل الحيطة والحذر عند الحديث عن أى شىء إسرائيلى حتى لا تلصق بنا على الفور تهمة معاداة السامية، وبناء على تلك الحيثيات فلا يمكن القطع بأنه كان يعنى أن تلك الصواريخ التى يمكنها ضرب أى مكان على الأرض سوف تهبط على أرض عربية، وبالتالى فإنه يمكن أن ينام سكان كل المنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط فى أمان وسلام، دون أية كوابيس حول تلك الصواريخ التى تحلق فوق رؤوسهم وتدور حول الأرض مرة كل ساعة ونصف..

ولكن بعض الخبثاء ممن يشتبه فى إصابتهم بداء عداء السامية قد يشككون فى الاستخلاص السابق، ويتساءلون بمكرهم المعتاد "هل يمكن أن يكون قصد البروفيسور هو ضرب أمريكا مثلاً؟".. وهذا سؤال يعكس التهور وسوء القصد بل وعدم إدراك أن أمريكا لديها الآن حائط من صواريخ الصد يمكنها من حماية نفسها، كما أنه يعيش على أرضها ملايين من أتباع اللوبى الصهيونى الذى لا يعقل أن البروفيسور يهدف إلى التخلص منه، وبالإضافة إلى كل ذلك فأن أمريكا هى الحامى والمدافع الأول عن إسرائيل.. ولكل هذه الأسباب المنطقية قد لا يكون هناك مبرر قوى لأن تهبط الصواريخ الإسرائيلية على أمريكا، إلا إذا اتخذت إسرائيل قراراً إستراتيجياً بالسيطرة فعلياً على العالم بعد تدمير غيرها من القوى العظمى التى تعيش فوق الأرض، وهذا مستبعد فى الوقت الحالى على الأقل..

عصر الفضاء العربى:
وإسرائيل هى واحدة من بين ثمانية قوى فضائية فى العالم حالياً، ولديها المقدرة على صناعة وتشغيل سفن فضائية، ويوجد لديها أربعة أقمار صناعية تدور حول الأرض وتنقل لها صوراً ملونة دقيقة، وتتيح لها التنصت على الاتصالات والمتابعة الدقيقة لكل ما يدور على الأرض بدءاً من حركة الرياح إلى حركة القوات والمعدات..

والبروفيسور الإسرائيلى المذكور رغم قدرته العلمية التى لا شك فيها إلا أنه وجد مساحة فى وقته لممارسة السياسة، فهو واحد من الصقور المعروفين، وسبق له أن أعترض بشدة على إتفاقية السلام مع مصر، وشارك فى تأسيس الحزب المعارض "ها تحيا"، وقد كان يؤمن دائماً بأهمية دخول إسرائيل عصر الفضاء كضرورة إستراتيجية، ولم يعتبر أن الأموال التى تنفق فى هذا الصدد هى أموال ضائعة، وقد تحقق حلمه حيث أصبحت تلك التنكولوجيا تدر دخلاً كبيراً على إسرائيل فى الوقت الحالى، فضلاً عما تحققه من مزايا إستراتيجية لا شك فيها..

وتقول المصادر الإسرائيلية إنه بالرغم أن العرب كان لهم السبق فى إرسال رائد فضاء وهو الأمير سلطان بن عبد العزيز، إلا أنهم كانوا يستطيعون أن يرسلوا رائداً قبل ذلك بسنوات، ولكنهم كانوا يرفضون كل العروض التى قدمت إليهم لتحقيق ذلك، فهم كانوا لا يريدون مجرد إرسال سائح إلى الفضاء، وإنما باحث يفيد ويستفيد وتعود رحلته بالمصلحة على البرنامج الفضائى الإسرائيلي، وهو ما تحقق أخيراً..

ورغم هذا اللمز والغمز الإسرائيلى الذى لا يتفق مع روح السلام، فأنه يكفى العرب أنهم سبقوا بإرسال أول رائد فضاء من المنطقة، ويجب عليهم أن يقروا لنا بالسبق فى هذا المضمار على الأقل، كما أن العرب يحتلون الفضاء الآن تقريباً بتلك المحطات الفضائية التى تتزاحم فى سماء المنطقة وتقذف صورها من كل إتجاه إلى كل إتجاه، وذلك أيضاً سبق يجب أن يقروه للعرب، وإذا كانت الأقمار الصناعية الإسرائيلية قادرة على ضرب أى مكان على الأرض، فإن الفضائيات العربية القادرة تضرب حالياً مساحات كبيرة من الأراضى بصورها المشحونة وبرامجها الحوارية الصاخبة، بل إن أثر بعض هذه الفضائيات يزيد كثيراً عما يمكن أن تفعله الصواريخ الإسرائيلية الموجهة بالأقمار الصناعية..

ولعل كل ما تقدم يثير السؤال القديم الجديد مرة أخرى، ترى ماذا يعد العرب فى مجال البحث العلمى بشكل عام، ناهيك عن أبحاث الفضاء؟ ما النسبة المخصصة من الميزانيات لتشجيع وتطوير البحث العملى؟ هل تقوم إدارة متخصصة مثلاً بالجامعة العربية بالتنسيق بين المال العربى والعقل العربى فى هذا المجال؟.. أن الإجابة على هذه الأسئلة هى مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة، بل هى ضرورة وجودية إذا أردنا الإستمرار كأمة فاعلة تحمى مصالحها..

التكنولوجيا والوجود:
لقد فاتنا زمن البخار وزمن الكهرباء وزمن الطاقة النووية وزمن ثورة الاتصالات، فلا يذكر أحد سوى معاصرتنا لزمن اكتشاف النار، وهذه الأزمنة المفقودة قد كلفتنا قروناً من التخلف والهزيمة والخضوع، وحتى تلك المحاولات المخلصة لتعويض بعض ما فات قد أقتصرت فى أغلبها على استهلاك ما يمكن أن نحصل عليه مما صنعه الآخرون، أن البروفيسور الإسرائيلى لم يكن مخطئاً عندما طالب بالإنفاق على برنامج الفضاء الإسرائيلى، لأن التكنولوجيا لا ترتبط فقط بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإنما – وهو الأهم - تحقيق الأمن القومى الشامل، ودخول عصر الفضاء لن يكون أبداً عن طريق الريموت كنترول الذى نضغط عليه بأصابعنا كى نستدعى الفضائيات العربية، فالمسألة ليست التحكم على البعد، وإنما التحكم من الداخل، وما ينطبق على الفضاء ينطبق على كل شىء اعتباراً من القلم الرصاص الذى نكتب به إلى تحطيم الذرة..

وقصارى ما نرجوه الآن هو ألا يكون البروفيسور الإسرائيلى المحترم قد أراد بعبارته حول مقدرة الصواريخ الإسرائيلية أى تهديد للأراضى العربية، ورغم معارضته للسلام مع العرب فإننا نأمل أن يدفعه عقله العلمى إلى معارضة الحرب أيضاً، وإذا كانت أقماره الصناعية التى تدور حول الأرض تصور بالفعل كل شيئ فوق هذه الأرض، فمن المؤكد أن لديه العديد من الصور الملونة عن أفراد شعوب المنطقة، ويعرف جيداً أنهم مسالمون وادعون وطيبون، لا يفكرون والحمد لله فى أى تطوير لقدراتهم التكنولوجية، يصرفون الملايين فى السياحة وشراء سلع لم ينتجوها دون أن يدخروا ولو بضع مئات لمعاملهم وعلمائهم، ويكتفون بالفضائيات العربية التى أرجو – بالمناسبة – ألا تزعجه، لأن دورها لا يختلف كثيراً عن دور أقماره وصواريخه وإن كان ذلك بطرق سلمية..

ولا يمكن أن تختتم هذه المقالة دون أن تطرح سؤالاً آخر ذا صلة، ألا زال العالم يصدق أن إسرائيل هى تلك الدولة الضعيفة المهيضة التى يحيط بها ملايين من الوحوش العربية الجاهزة للإنقضاض عليها؟.. ألا يصاب العالم بالغثيان وهو يتابع أولئك الذين يتحدثون عن حاجة إسرائيل للأمن قبل حاجتها للسلام؟.. أن من يشاهد المتحدث الرسمى بإسم الحكومة الإسرائيلية وهو يتحدث إلى محطة سى إن إن، وملامحه تعكس الخوف والرعب والاستكانة، ويقول فى بلاغة يحسد عليها: "أننا نشبث بأظافرنا من أجل الاستمرار فى الحياة!!"، أن من يشاهد ذلك قد يظن أنه المتحدث الرسمى بإسم أحد الدول الإفريقية الصغيرة التى ضربها الفقر والإيدز والحروب الأهلية، لا يمكن أن يصدق أنه المتحدث الرسمى بإسم دولة تحتل أراضى دول أخرى ولديها ما يزيد على مائتى رأس نووية، وتدور أقمارها الصناعية حول الأرض بما يتيح لها كما ذكر العالم الإسرائيلى المذكور أعلاه، أن تضرب أى مكان على الأرض..

كما أن سؤالاً آخر يفرض نفسه وهو كيف يمكن للسلام أن يتحقق فى منطقة الشرق الأوسط مع هذا الخلل الرهيب فى موازين القوة، أن استمرار هذا الفاصل الكبير هو الوصفة المؤكدة لإستمرار حالة عدم الاستقرار، حيث إن التاريخ السياسى يعلمنا أنه لا يمكن للقوى أن يتعايش مع الضعيف إلا إذا تمكن ذلك الأخير من تحقيق قدر من الردع، أو قدر من التعادل فى ميزان القوة... فإذا أصبح من المحتمل الآن أن تأتى اللحظة الذى يمشى فيها رائد فضاء إسرائيلى على القمر، كما يقولون، فهل سيكون من المحتمل ذات يوم أن يتاح للإنسان الفلسطينى والعربى أن يمشى على الأرض؟؟..








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة