ما هى إلا أسابيع قليلة وتبدأ مراكب الهجرة غير الشرعية إبحارها من موانئ مصر قاصدة الدول الأوربية، وعلى ظهرها آلاف من الشباب المصرى الراغبين فى الهروب من أزمات الحياة فى مصر، ولديهم أمل فى أن يجدوا ملاذهم فى أوروبا، غير عابئين بما يحمله لهم القدر وهم على ظهور هذه المراكب، وهل سيتحقق حلمهم بالثراء السريع أم أنهم سيكونون لقمة سائغة لأسماك البحر الأبيض المتوسط، بعد أن يلقى بهم سماسرة الهجرة فى عرض البحر لكى يكملوا ما تبقى لهم من ميلات بحرية سباحة، وصولا إلى شواطئ إيطاليا أو اليونان أو غيرهما من الدول المطلة على المتوسط .
فالموت بالنسبة لهؤلاء الشباب أفضل لهم من الحياة المذلة فى بلد لا يقدر طاقات شبابه، لكن هل يستحق هذا المبرر ليكون سببا للمغامرة بالمال والنفس.. وما هى الدوافع وراء ذلك... وهنا لا أتحدث عن الطرق التى يخرج من خلالها الشباب إلى عرض البحر، فهى عديدة ومعروفة خاصة فى مدننا الساحلية التى ينتشر بها السماسرة، لكننى هنا أتحدث عن سؤال واحد، لماذا يترك الشباب وطنهم ويهاجروا؟.. هذا السؤال كان محور نقاش جلسة عمل ضمن منتدى الشباب العربى الذى انعقد الأسبوع الماضى بالإسكندرية تحت رعاية وإشراف الدكتور على الدين هلال، أستاذ العلوم الساسية وأمين إعلام الحزب الوطنى.
جلسة العمل التى لم تأخذ حقها من الوقت كانت كفيلة بفتح جرح غائر فى قلب العرب، وهو الرغبة الدائمة والمتكررة فى الهجرة للخارج، لدرجة وصلت إلى أن أحلام غالبية شبابنا وأنا منهم للأسف كانت الهجرة هى أساسها، لا لشىء إلا للحصول على المال، حتى وأن كان بغسل الأطباق فى الفنادق والمطاعم الأوربية.
الجلسة تحدثت فيها الناشطة الأردنية سامية قمرى التى كشفت عن جزء مهم من الأسباب التى تدعو الشباب إلى هجرة الأوطان العربية، فهى تحدثت عن ظاهرة موجودة فى المملكة الأردنية، ولكنها ليست قاصرة عليها، وإنما هى جزء من الثقافة العربية بشكل عام، وهى ظاهرة الفساد والمحسوبية فى منح الوظائف وقضاء المصالح، فهى اعتبرت أن الواسطة فى بلادها أصبحت المشكلة التى تؤرق الأردنيين، فإذا كنت من عائلة معروفة أو تستطيع التعرف إلى وزير أو أحد العاملين فى الديوان الملكى فإنك تستطيع قضاء أى شىء، لكنها طرحت أمراً جديداً وغريباً بعض الشىء عن الفكر السائد فى أسباب الهجرة، فبينما يعتقد الكثيرون أن البحث عن الأموال هو السبب الرئيسى للهجرة، لكن قمرى ترى أن الهجرة لم تعد مرتبطة بالاقتصاد وإنما بفكرة رفض الشباب الإقامة فى بلادهم، وهى فكرة تحتاج إلى بحث من العاملين بحقل علم الاجتماع.
أحد الحاضرين، وهو معيد فى إحدى الجامعات المصرية، تحدث بمرارة عن حالة هو عايشها بنفسه، قائلاً إن الأزمة مرتبطة بالمنظومة السياسية للدولة، فالخريج أصبح الآن غير مرتبط بسوق العمل، مقترحا إيجاد علاقة بين رجال الأعمال والجامعات لتحديد احتياجات سوق العمل، لأن الجامعة تخرج الآلاف الشباب فى التخصصات بدون أن يكون لهم دور فى الحياة.
ما طرح فى الجلسة كان جزءا بسيطا من مشكلة كبيرة ومعقدة تحتاج إلى نقاش موسع وطرح أوسع يتطلب من المجلس القومى للشباب أن يضعه على استراتيجيته القومية، لأن آلاف الشباب ممن يضحون بأنفسهم فى غياهب البحار يجب أن يكونوا محل اعتبار من المسئولين المصريين، محل اعتبار عملى وليس نظرياًّ، فلا يكفى الحديث عن مجرد التهديد بوضع قانون يجرم الهجرة غير الشرعية طالما أن هذا القانون سيعاقب سماسرة الهجرة، لكنه لن يقضى على الظاهرة من جذورها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة