شريف حافظ

كيف تدافع عن الإسلام؟

الجمعة، 12 مارس 2010 07:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خرج علينا جورج بوش الابن عقب الأحداث الدامية فى 11 سبتمبر 2001، بمبدأ لا يُعبر إلا عن فكرٍ أجوف تمثل فى جملته الشهيرة: "من ليس معنا، فهو ضدنا". وبهذا بدأت حرب ضروس ضد ما ظنه بوش "الإسلام" وأطلق على تلك الحرب، "الحرب على الإرهاب"، وجزء منها يُعبر بالفعل عن مواجهة مع الإرهاب، ولكن الجزء الكبير منها، هو حرب فكرية، ضد الوهم وليس الإسلام.

لقد أعاد بوش إلى الأذهان، أفكار محاكم التفتيش التى وجدت فى أوروبا الظلمات فى العصور الوسطى، وكانت تُحاسب البشر حول مدى اعتقاداتهم بالمسيحية وتفرق بينهم على أساس وجهة نظر السلطة الكنسية وقتها. وبدأت مع مبدأ بوش الفج، مرحلة أصبح فيها للأمن اليد العُليا، بديلاً عن الفكر، وأصبح الناس يميزون وفقاً لمظهرهم أو انتماءاتهم، حتى إنه فى بداية تطبيق هذا الفكر المريض، قُتل قبطى بولاية كاليفورنيا، للشك من قبل قاتله "العنصرى" فى كونه مسلم!!

وفى إطار سياسة رد الفعل الهوجاء بدأت قوى التطرف فى دول الشرق الأوسط ذات الأكثرية المسلمة، بالرد على مبدأ بوش، بنفس "اللامنطق"، ليتضح فيما بعد، أن كليهما لا يهمهما الدين الإسلامى من قريب أو بعيد، وأن أهدافهما تختلف تماماً. فالولايات المتحدة الأمريكية تحت إمرة بوش الأبن، تهدف إلى الهيمنة على العالم بداية من الشرق الأوسط، بينما المتُشددون الدينون، يريدون السيطرة على قبضة السلطة بلعب دور البطولة فى إطار تمثيليتهم فى الدفاع عما "يُظن" أنه الإسلام، بينما هو كائن مختلق فقط لأهداف السلطة الأمريكية على العالم ومتنام من قبل المتشددين، ليظهروا كم ورعهم كى ينالوا مزيداً من السلطة لمد الجسور إلى عروش الدول التى يحيون فيها، دون انتماء! وبالتالي، فإن ما يحدث بين الطرفين ليس بالفعل حرباً على الإسلام أو دفاعا عنه، وإنما هى لعبة مصالح ليس إلا، يستفيد منها كل الطرفين ولا يراد قضاء أى منهما على الآخر، لأن لا أحداً منهما يمكنه الحياة دون الآخر: فدون حرب على "الإرهاب" لا يوجد متشددون يدافعون ودون دفاع المتشددين ومواجهتهم الغرب، لا توجد حرب على الإرهاب أو ما يُظن أنه الإسلام.

إلا أن هناك إشكالية طرأت على المسلمين ذاتهم لا الإسلام. وليست تلك الإشكالية وليدة أحداث سبتمبر، ولكنها ظاهرة منذ عقود وقد برزت بروزا لا يُمكن الفكاك منه عقب حادث تدمير البرجين. فتمثلت المشكلة باختصار، فى وجود اختلافات شاسعة حول طبيعة تفسير النص الدينى وموائمة تطور العصر معه، خاصةً مع مقولة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان. تلك الاختلافات، بالتزامن مع التغييرات الكبيرة على أرض الواقع فى حلبات السياسة وأسلوب الفكر، أفرزت التيارات السياسية والفكرية المختلفة، لتطفو على السطح، وتدخل فى معارك فيما بينها حول هذا التفسير!، وقد بدا أن تلك المعركة ستستمر لمدة طويلة ما لم يتدخل "العقلاء" من علماء الشريعة، ليس ضد أحد ولا مع أحد، ولكن لوجه الله عز وجل، مطورين الخطاب الدينى لوضع أسس يمكن أن تكون الهادية بعيداً عن الهاوية، وبذلك يحققون ركناً أساسياً فى الدفاع عن الدين فى إطار خطابه المنفتح والمتماشى مع العصر.

أما مواجهة أعداء الدين، بمنطق المعايير الشخصية والمصالح ولعب دور البطولة والتحريض عليهم ونصب محاكم التفتيش ضدهم، فهو منهج أبعد ما يكون عن الإسلام ذاته، وهو منطق يسىء للدين أكثر مما يسترشد به ومن حكمته. ولم تكن مواجهة من قام برسم الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام بتلك الطريقة، إلا فائدة له، حيث أصبحت الجريدة التى رسمت تلك الصور، أكثر صيتاً ومبيعاً!! لقد أمدنا الله بمنهج قرآنى للدفاع عما نؤمن به، وقد سبق به كل مناهج الأرض الوضعية.

فالله عز وجل، أنزل أول آياته على الرسول، محمد صلى الله عليه وسلم، فى صورة أمر بالقراءة باسم الله. ولأن الدنيا كلها وفقاً لمنطق الإسلام، خُلقت من قبل الله سبحانه، فالقراءة والعلم فرض إسلامى، ويصبح الجهل معاديا للدين وفقاً لهذا المنطق. وبذلك فإن من يريد الدفاع عن الدين وجبت عليه القراءة والثقافة فى الدين وكل شأن من شئون الدنيا! والجهل لغو لا فائدة منه، ولذا كان أمر الله عز وجل بالبُعد عنه عندما وصف المؤمنين بقوله تعالى: "والذين هم عن اللغو معرضون"، وإذا ما سمعت لغواً بينك وبين إنساناً ما، نصحته بالموعظة الحسنة كما أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو تجاهلته وفقاً لقول الله تعالى: "وأعرض عن الجاهلين"، كما أن من يخوض فى آيات الله بالسوء، أمرنا الله بأن تبتعد عنه حتى يخوض فى غيره من الأحاديث، فقد قال الله عز وجل: "وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين". وهنا لم يقل الله أن علينا قتالهم أو التحريض عليهم، ولكن الآية صريحة فى تجنب الجلوس معهم وفقط!

إن الفكر طالما أنه فكر قوى هو الذى يدافع عن نفسه، وطالما أن المؤمنين بهذا الفكر يؤمنون بقوة فكرهم، فإنهم يؤمنون بأن الدفاع لا يكون إلا عما هو ضعيف، وليس عما هو قوى. ويقول الله عز وجل فى ذلك: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور". وقال الله أيضاً: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". والله "خير حافظا وهو أرحم الراحمين".

وبالتالى، أرى أن من يعادى، لا يعادى الدين الإسلامى، ولكنه يُعادى ما يظُنه الدين، لأنه لم يفهم الدين الإسلامى، لأننا قصرنا فى ما وجب فعله من تجديد الخطاب الدينى. ومن يُعادى الدين نفسه، وجب علينا تجاهله وفقا لنصوص الله، والإعراض عنه والعمل على قراءة ديننا وما دونه، كى نكون عنواناً بحق له، وليس اختلاقا مشوها لما يحويه. فلا يمكن أن نقوم بمحاربة من يعادى الدين، ونحن لا نفهم نصوص ديننا ولا نعمل بها فى زمن ضعف المسلمين. إن محاربتنا لمن يحاربنا، إنما يزيد الحرب ضراوة، ويمنح لمن يحاربنا المزيد من القوة. فلا يجب أن ننسى أنه عندما بدأت الحرب على الإرهاب من قبل الولايات المتحدة واستُهدف المسلمين، زاد معتنقو الدين الإسلامى فى أمريكا. فكل فكر يحارب وهو قوى، يزيد عدد معتنقيه، لأن هناك من يبدأ فى القراءة ليفهم. ولا نريد أن نزيد محاربى الإسلام بمحاربتهم، ولكن المزيد من الفهم لديننا.

إن أغلب من يخرج فى حرب تحريضية ضد عدو أو مدعى عداء للإسلام، إنما هو فى الغالب يمثل هذا الدور، ليصنع بطولة زائفة بأنه يزود عن هذا الدين الذى هو أقوى من أن يُهدم، وليس أدل من كلام الله فى ذلك. كما أن المحرضين على من يعيش بيننا ممن يُظن أنهم يحاربون الدين أو من يحاربون الدين صراحةً، إنما يخلقون محاكم تفتيش جديدة. فكيف نفرق وقتها بين العدو وغيره؟ أنريد أن نفعل ما قامت به الولايات المتحدة أثناء حكم بوش، ورفضناه؟؟؟ أليس هذا غريباً أن يصدر منا ونحن نريد أن ننهض من كبواتنا؟

علينا بالشموخ بما نملك من دين، وأن نقرأ فى ديننا ونقبل الآخر كى يطلع على سلوكنا المتماشى مع نصوصنا السمحة، ونكون المثال كى يتوقف عن غيه، وأن ندفع بالتى هى أحسن لكى تتحول العداوة إلى صداقة حميمة أو احترام. علينا بالإعراض عن الجاهلين وألا نتواجد فى وسط من نكره صحبتهم، لأنهم يعتدون على نصوص وآيات القرآن الكريم ومقدساتنا ورموزنا. فإن تركنا كل هذا، ثم شكونا ما نكره، كان العيب فينا نحن وليس فى سوانا من البشر. فلقد خالفنا معتقدنا وجرينا وراء مشاعرنا الذاتية، ثم صرخنا بالظلم وتأجج مشاعرنا. والدين قوى، ولكن نحن الضُعفاء!

• أستاذ علوم سياسية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة