◄◄رئيس الوزراء البريطانى السابق كان يستيقظ بعد الحرب من النوم مفزوعا متصببا عرقاًوهو يصرخ: بوش.. صدام.. ويدارى آثار الأرق بالمكياج
◄◄العراق كان أشبه بالرمال المتحركة التى كانت تبتلع بلير.. وصور فضيحة أبو غريب جعلته يعانى من مشكلات فى القلب أقلقته هو وزوجته شيرى
دراما محاكمة تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق يراها أندرو راونسلى محاكمة نفسية لكابوس الحرب على العراق الذى مازال يطارد بلير.
رغم أنه، حتى يومنا هذا، لم يبد ندماً على قرار الحرب، فإن رئيس الوزراء البريطانى السابق قد أصابه الاكتئاب الحاد من هول ما شهدته هذه الحرب من تخريب لبلاد ونزيف لدماء العراقيين.
راونسلى أصدر كتابا جديدا صدر الأسبوع الماضى فى الأسواق البريطانية، قال فيه إن بلير الذى كان شريكاً فى قرار الحرب مع الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش قد وصل فى ربيع عام 2004 إلى حالة نفسية سيئة للغاية دفعته إلى اتخاذ قرار بالتخلى عن السلطة فى غضون شهور، لكنه عاد وتراجع عن هذا القرار.
أندرو راونسلى، مؤلف الكتاب، أتيح له الاطلاع على الكثير من الأسرار داخل داوننج ستريت، حيث مقر الحكومة البريطانية، فقد عمل مراسلاً لصحيفة الأوبزرفر هناك لسنوات طويلة أهمها فترة التحضيرات للحرب على العراق وما بعدها، وأتيح له بحكم عمله معرفة الكثير من الخفايا داخل دوائر الحكومة البريطانية، والحال التى كان عليها بلير قبل الحرب وبعدها، والأهم من ذلك صراعه الشرس على السلطة مع وزير ماليته حينئذ وخلفه الحالى جوردون براون.
ويقول روانسلى فى كتابه الذى يحمل عنوان «نهاية حزب: صعود وسقوط العمل الجديد»، إنه بحلول خريف عام 2003، بدا تونى بلير أكثر ضعفاً من أى وقت سابق فى رئاسته للحكومة، فقد أظهرت استطلاعات الرأى أن نصف الناخبين يريدون استقالته، وقال 60 % من أعضاء حزبه إنه كان مخطئاً فى الذهاب إلى حرب العراق، وأراد نصف هؤلاء تقريباً أن يقدم بلير استقالته على الفور أو فى الانتخابات التالية.
ويتحدث المؤلف عن التراجع فى الحالة الجسدية والنفسية لرئيس الوزراء البريطانى السابق إلى درجة أنه كان يستيقظ فى منتصف الليل ويتصبب عرقاً، وكل ذلك لأن بلير الذى عارض إرادة شعبه، وخرج عن الرفض الأوروبى وانصاع وراء أوامر جورج بوش بشن الحرب على العراق، قد أوجعته بشدة الفوضى وإراقة الدماء فى العراق، فى نفس الوقت الذى تعرض فيه لحرب نفسية مستمرة من جانب براون، الذى كان جاره فى مقر الحكومة البريطانية، والذى كان يسعى بشدة للفوز بمنصب بلير. ورغم كل ذلك فقد نجح بلير فى إخفاء اكتئابه عن الموظفين العاملين معه، إلا أن اضطرابه كان شديدا للغاية لدرجة أنه قرر أنه ليس أمامه سوى تسليم الحكم لبراون فى منتصف فترته الثانية.
وفى هذا الكتاب، ينقل روانسلى عن سالى مورجان مديرة العلاقات الحكومية قولها إن «العراق كان أشبه بالرمال المتحركة التى كانت تبتلع بلير، وبصفة خاصة الفظائع والصور البشعة التى تكشف إساءة معاملة السجناء فى سجن أبو غريب».. ومن بين ما قالته مورجان أيضا أن بلير بدأ يفقد تأييد أنصاره، وكان عالقاً فى نفق مظلم لا نهاية له».
وكان من أهم الأسباب التى لعبت دوراً كبيراً فى إحباط بلير واكتئابه، التقييم الذى قدمه المبعوث الخاص له إلى العراق، جيرمى جرينستوك، بعد انتهاء خدمته هناك والذى كان يعلم هذا المبعوث أنه مظلم للغاية، لدرجة أن العاملين فى داوننج ستريت كانوا يحاولون إبعاده عن بلير حتى لا تنخفض معنوياته بشكل أكبر. وكان بلير لايحب أن يراه من وجهه فقد حذر جرينستوك الذى عمل من قبل سفيراً لبريطانيا فى الأمم المتحدة، رئيس حكومته بأن الوضع فى العراق يسير من سيئ إلى أسوأ، وأنه سيزداد سوءاً خلال الأشهر المقبلة.
ويشرح روانسلى كيف أن جرينستوك رأى بلير وهو «يشد شعره»، ويرفع يده فى حالة من اليأس بسبب ما آلت إليه الأوضاع فى العراق. وكان بإمكان المقربين من بلير أن يعرفوا مدى الانهيار الداخلى الذى أصابه، فلم تكن هناك سوى أيام قليلة كان فيها بلير متوتراً بهذا الشكل بعد أحداث سبتمبر. وكان رئيس الوزراء السابق يضع بعض المكياج لإخفاء التغيير الذى طرأ عليه من حدة التوتر لدرجة أن جلده أصبح لونه مصفراً، وكان من يشاهده من المقربين منه بدون هذا المكياج يصاب بصدمة من المظهر الذى بدا عليه بلير.
ومن الأيام المرعبة التى عاشها بلير حسبما يروى الكتاب، ليلة عاد فيها من المجلس الأوروبى متأخراً ووجد ابنه ليو الذى كان رضيعاً، قد استولى على مكانه فى سريره بجوار والدته، زوجة بلير شيرى، فلم يجد بلير حلاً سوى أن ينام هو فى سرير ليو الصغير.
ولم يكن بلير يعانى نفسياً فقط، بل كان يواجه متاعب جسدية أخرى, وعانى من مشكلات فى القلب أقلقته هو وزوجته شيرى، وشعر بوعكة صحية فى إحدى ليالى أكتوبر 2003 نقل على أثرها إلى المستشفى لتلقى العلاج وظل قيد العناية المركزة لأربع ساعات، وكان هناك رعب من جانبه وجانب المقربين منه أن تؤثر حالته الصحية على ممارسته السياسية، وكان يستيقظ من النوم وهو يصرخ: بوش.. صدام.
وبينما كان بلير يعيش هذه اللحظات الصعبة فى خريف 2003، كانت شكوكه تزداد فى قدرته على إنجاز المزيد فى منصبه سواء فى أيرلندا الشمالية أو فى العراق، وكان يعانى من ناحية أخرى من ضغط جوردون براون، مستشاره ووزير المالية فى هذا الوقت، الذى أراد أن يترك بلير منصبه له، وكانت الخلافات بينهما تتزايد لدرجة أن جون بريسكون، نائب رئيس الحكومة البريطانية، فى هذا اليوم قام بتنظيم حفل عشاء للرجلين لمناقشة خلافاتهما، وخلال هذا اللقاء تعهد بلير بترك الساحة لبراون خلال ستة أشهر إذا ساعده الأخير على اجتياز هذه الفترة، ولأن براون كان ساذجاً كما هى عادته إزاء بلير، على حد قول أحد المقربين منه، فقد صدقه، وترك هذا العشاء وهو أكثر يقيناً من ذى قبل بأن لديه وعدا بتسلم السلطة.
وفى الصباح التالى، دعا براون أربعة من مساعديه إلى مكتبه فى وزارة الخزانة، وهم سبنسر ليفرمور وسيو نى وإد بولز وإد ميليباند، وأخبرهم أن بلير وعده بترك رئاسة الحكومة له، وطالبهم بالاستعداد لذلك، إلا أن بلير روى قصة أخرى لأصدقائه عن هذا العشاء وقال إنه وعد براون بالتعاون أكثر، وإنه سعيد «لإعطائه مكاناً تحت الشمس»، إلا أن عليه أن يقبل حقيقة أنه، أى بلير، هو رئيس الحكومة. باختصار قال بلير لأصدقائه إنه قدم وعداً غير كامل لبراون، وقاله إنه سيسلمه السلطة، دون أن يحدد متى، بشرط سلوك براون الجيد.
وظلت الضغوط المستمرة من جانب براون، حتى جاء أحد أيام عام 2006، وتوجه براون إلى مكتب بلير مقر الحكومة لمواجهته، وقال أحد الأشخاص من العاملين بالقرب من بلير إن براون فقد أعصابه فى هذه المواجهة وكان يتصرف بشكل عدائى مثل المراهقين، حين صرخ فى مكتب بلير صائحاً فى وجهه: «متى ستغادر.. من تعتقد أنه أفضل منى؟ وهل تعتقد أن هناك أى شخص أفضل منى؟ جون ريد كان يمينياً متطرفاً، وألان جونسون غير مهم وديفيد ميليباند صغير جدا».
وانتهت المواجهة دون التوصل إلى قرار محدد، وقد تحدث عنها بلير بعد ذلك، ووصفها بأنها كانت فاضحة ومروعة، وقال إن براون ظل يصيح فى وجهه قائلاً إنه دمر حياته.
لمعلوماتك...
◄28 يناير 2010 بدء التحقيق مع تونى بلير
◄2007 تعيين تونى بلير ممثلا للرباعية الدولية