حينما يعمل رجال الدين بالسياسة تصبح الفتاوى مسئولة عن دماء الشهداء

فتاوى الأهواء السياسية

الجمعة، 12 مارس 2010 02:59 ص
فتاوى الأهواء السياسية على جمعة
عمرو جاد وناهد نصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت جلد السياسة يعيش الدين فى مصر، رغم أن طبيعة كل منهما تفرض السير فى خطين متوازيين، إلا أنهما كثيراً ما يتقاطعان فى الدول العربية، وعلى الرغم من ذلك عاشت السياسة فى مصر فترات كثيرة مبتعدة عن عمائم الشيوخ والقساوسة، تقتصر علاقتها بالدين على الخطب المتبادلة فى منبر الأزهر وأمام مذبح الكنيسة فقط مثلما حدث فى ثورة 1919 التى شهدت بداية عهد تعانق الهلال والصليب فوق رايات المتظاهرين، ووصل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتلك العلاقة إلى ذروتها آنذاك باستخدامه الإخوان المسلمين وخطابهم الذى يداعب الميول الدينية لدى الناس ليضرب بهم فئات أخرى، ووضع إطاراً لهذه العلاقة عام 1963 بوضع قانون جديد للأزهر، يعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، بعدما كان باختيار هيئة كبار العلماء، ومن بعده وضع الرئيس أنور السادات العلاقة بين قوسين «الرئيس المؤمن» وأنياب الديمقراطية، تمثلت فى قدرته على انتزاع فتوى مؤيدة لمعاهدة كامب ديفيد والصلح مع إسرائيل عام 1978.

والآن فى 2010 تداخل الاثنان أكثر فصارت فتاوى تصدر لخدمة أغراض سياسية، وعلى النقيض، اشتعلت معارك سياسية نتيجة لفتاوى بعينها، خاصة أن رجلاً مثل الدكتور محمد سيد طنطاوى يطارده دائماً اتهام بأنه شيخ حكومى، يصدر الفتاوى بما لا يتعارض مع توجه الإدارة السياسية، ولأنصار هذا الرأى مآخذ كثيرة عليه فى هذا كان آخرها رفضه مناقشة أزمة التقريب بين المذاهب الإسلامية وهى القضية التى ظلمتها السياسة كثيراً، ومن قبلها كانت الأزمة التى تسبب فيها بيان صادر عن مجمع البحوث يؤيد «الجدار الفولاذى»، رغم معارضة بعضهم للجدار.

الكثير من المشايخ فى تبرير رفضهم الإفتاء فى بعض المسائل، يتذرعون أحياناً بأنها أمور سياسية بحتة لا مكان للفتاوى فيها، وهو مبدأ مقبول فى حالة التمسك به دائما، إلا أنهم فى الآونة الأخيرة لم يتمسكوا بهذا المبدأ، وهى مسألة يراها جمال البنا، تنبع من صعوبة التفريق بين الفتاوى إذا كانت لصالح السلطة، أو نابعة من منطلق دينى بحت، والعهدة فى ذلك على مطلق الفتوى نفسه، وبالتالى من الصعب أيضاً افتراض أن هذه الفتوى صحيحة وغيرها خاطئ طالما أنها جميعاً مبنية على أحكام شرعية، لكنه يدعو لأن يمتلك الناس رؤية نقدية للفتاوى بشكل دائم فيأخذوا ما يناسبهم منها، ويتركوا ما هو دون ذلك، فإن كنا نناهض تكميم الأفواه، وتقييد الناس، فلا أقل من أن نقوّم أصحاب الفتاوى.

قضية التقريب بين «السنة والشيعة» هنا لم تكن فريدة من نوعها كإحدى المناطق الرمادية التى تداخل فيها الدين مع السياسة، فقد استخدمت أيضا فتاوى مشابهة تخص المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، فبعد توالى مظاهرات الإخوان منذ عام 2005 استدعت الدولة فتاوى قديمة لعلماء السعودية مثل ابن عثيمين، الذى حرمها لأن فيها إتلافا وتكسيرا واختلاطا، ومفاسد، على حد قوله، وتم تعضيد هذه الفتوى بمثيلاتها على لسان الشيخ أبوإسحق الحوينى الذى اعتبرها »بلا قيمة« ومن بعده الشيخ صالح اللحيدان الذى أفتى أيضا بتحريمها فى السعودية، ويوسف البدرى فى مصر والمجلس الأعلى للإفتاء بالسودان حين أفتى بتحريمها تزامنا مع المظاهرات المطالبة بتسليم الرئيس السودانى عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية بعد استصدارها مذكرة باعتقاله، بل ذهبوا أبعد من ذلك بتحريم خروجه وسفره خشية توقيفه فى أى دولة أخرى.

تصدير الغاز المصرى لإسرائيل نال هو الآخر نصيبه الكافى من الفتاوى التى اتهمت بالخضوع للهوى السياسى، ورغم كل الأصوات المنددة بهذه الصفقة سواء من الحركات أو نواب المعارضة، لم تتحرك الحكومة للدفاع عن نفسها وتوضيح موقفها منه إلى حين صدر بيان من جبهة علماء الأزهر وصفه بأنه «خيانة» محرضاً العاملين فى مصانع نقل الغاز ليكونوا أول الثائرين عليها، فتحركت دار الإفتاء المصرية على الفور لتصدر بيانا ذكرت فيه موقفها من هذه الصفقة بأنها لا تملك المعلومات الكافية للبت فيها، مؤكدة أن رواتب العاملين بمصانع نقل الغاز لإسرائيل من المصريين «حلال» لحين إنهاء الخلاف.

ورغم هذه النماذج يرفض الشيخ فوزى الزفزاف عضو مجمع البحوث وجود ما يمكن أن يسمى بالفتوى السياسية، فالفتاوى برأيه لا تصدر شرعاً إلا فيما يتعلق بأحكام الدين. وجميع فتاوى مجمع البحوث دينية، ويؤكد أن مجمع البحوث لا يتلقى أوامر من السلطة ليصدر فتاواه، لكن عندما يجد أن قراراً ما قد يحدث بلبلة فى الشارع، أو أن الناس تتساءل حول مدى شرعية قرار من القرارات يكون واجبه فى هذه الحالة أن يقول كلمته النابعة من أحكام الدين. أما الفتاوى التى تصدر عن جهات أخرى فلا سلطان لمجمع البحوث عليها، وهم أحرار فيما يذهبون إليه.

تلميحات الزفزاف حول الفتوى الخارجة عن فلك الأزهر، لا تنفى وجود فتاوى داخل الأزهر نفسه ترتبط بالسياسة فتصبح سببا فى أزمة عاصفة، مثلما حدث عام 2003 حينما أفتى الشيخ على أبوالحسن رئيس لجنة الفتوى، بوجوب قتال القوات الأمريكية فى حال دخولها العراق، كما أحل دماء الجنود الأمريكيين والبريطانيين فى هذه الحالة، معتبراً ان قتلى المسلمين شهداء، إلا أن هذه الفتوى كانت سبباً فى إقالة أبوالحسن لما سببته حينها من حماس لدى بعض مؤيدى فتح باب الجهاد ضد القوات الأمريكية فى العراق، وهو الأمر الذى ترفضه القيادة السياسية، حينها اتهم شيخ الأزهر بأنه يميل حيث تميل الدولة.

والكنيسة لم تكن بعيدة عن هذا المعترك حيث لم يسلم البابا شنودة الثالث من سهام النقد حينما كرر فى أكثر من لقاء أنه يؤيد ترشيح جمال مبارك رئيسا للجمهورية خلفاً لوالده، وهو ما تعتبره المعارضة فى مصر توريثا مرفوضا، حتى إن أصواتا قبطية تعارض هذا الرأى، معتبرين أن احترام رأى البابا لا يتعارض مع حرية اختيار من يرونه يصلح للرئاسة، رغم أن الكنيسة نأت كثيراً بنفسها عن الدخول فى هذه الدائرة، بعد خلفية صدام قديم بين الرئيس الراحل أنور السادات والبابا شنودة اعتكف الأخير على أثره.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة