شعراء القرن الماضى!!

الجمعة، 12 مارس 2010 08:21 م
شعراء القرن الماضى!! الكاتب فريد أبو سعدة
بقلم: فريد أبو سعدة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أتيلييه القاهرة، وفى مناسبتين تتعلقان بالشاعر محمد صالح، الأولى فى حياته أثناء مناقشة ديوانه الأخير، والثانية فى حفل التأبين الذى أقيم له مؤخرا، طلب مدير الندوة من الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر أن يتكلم عن تجربة صديقه الشاعر.

ففاجأ عفيفى الجميع بعدم تذوقه قصيدة النثر، وأرجع عدم تواصله معها إلى أن خبرته بالشعر تكونت فى زمن مختلف، ومن خلال مفهوم مختلف عن علاقة الشاعر باللغة والإيقاع والمجاز، وأن تكونه الجمالى على هذا النحو لا يجعله قادرا على أن يتكيف بسهولة مع هذه القصيدة، واستطرد قائلا إنه لا يستطيع أن ينتقل من شكل إلى شكل كل خمس سنوات!!

هاتان الفكرتان المهمتان (عدم التواصل واستمرارالتجريب) تمثلان فى رأيى أهم أسباب تشوش المشهد الشعرى العربى، فلا شك أن الأغلبية العظمى من النقاد الحاذقين واللامعين الآن هم نقاد تكونت ذائقتهم عبر جماليات قصيدة التفعيلة، وأن تسيّد قصيدة النثر وشيوعها بهذا الشكل جعلهم يتدبرون أمورهم بكثير من الارتباك والفوضى، وبكثير من المحاباة والمجاملة، الأمر الذى يهدد مصداقيتهم يوما بعد يوم، وإن لم يفقدهم امتيازاتهم المكتسبة نتيجة هذا التدبر!!.

لا شك أن ما يعانيه الناقد (القديم) من ارتباك أمام (النص الجديد) تنتقل عدواه إلى القارئ، فيلتبس عليه الأمر، ولا يعود يفهم من هذه الرطانات شيئا، لقد جعلوه ببساطة أمام خيارين مرّين، إما أن يفهم أن كل شىء مثل كل شىء، وإما أن يعطى الجميع ظهره ويمضى، مؤمنا بما يروِّجه البعض من أن زمن الشعر قد ولىّ، وأننا نعيش زمن الرواية.

هناك أيضا نقاد الوصفة أو (نقاد الباترون) وهم يشوشون على المشهد الشعرى بشكل مختلف، إذ يتقدمون على الشاعر ويشيرون عليه بما ينبغى عمله، ليكون حداثيا، فيتمكنون بدورهم من استخدام أدواتهم النقدية الحديثة فى مناقشة أعماله!

والمشهد - بين ناقد متأخر عن اللحظة الشعرية وناقد متقدم عليها - لم يصرف القارئ فقط عن الشعر، بل ساهم أيضا فى تضليل الشعراء أنفسهم، وخلق حالة من الاحتراب بينهم. لقد وثق الكثير من الشعراء بنقاد الباترون هؤلاء، صدقوا أن كل عقد هو جيل، وأن كل جيل قاتل بالضرورة لآبائه ومبتدئ من الصفر!، صدقوا أن كل ديوان بداية جديدة، منبت الصلة عما قبله وما بعده، وانخرط الجميع فى حرب ضد الجميع.

التعدد مهم، وتقليب النظر مهم، شريطة أن يتم ذلك بروح المنافسة لا القتل، والمزاحمة لا الإزاحة، بروح أننا شركاء فى الحقيقة وليس فى هستيريا الفرقة الناجية!

ولعل مصطلح الجيل كان واحدا من أسباب هذا التشوش الذى نعيشه جميعا، فهناك جيل الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، والمفارقة الحادثة أن كل هؤلاء أصبحوا من شعراء القرن الماضى!

تبدو المفارقة بما تنطوى عليه من سخرية ومرارة فرصة حقيقية لإعادة النظر، وللتأمل قليلا فى المرض الذى انتقل من السياسى إلى الثقافى، فإذا كان السياسى قادرا على التبجح مثلا بأن الأمة لم تنضج بعد للديموقراطية فهناك أيضا، على المستوى الشعرى، من يرى للأمة ما يصلح لها من الشعر، وما لا يصلح، ثم لا يتحلى بتواضع عفيفى مطر، فى نفيه لقصيدة النثر، ولا يملك مثله الشجاعة، ليعترف بأنه ابن لحظة شعرية (قديمة)، وأن ما يحول دون تذوقه للقصيدة (الجديدة) يكمن فى قناعاته الجمالية التى استمرت لأكثر من خمسين عاما!، ولم يحاول اختبارها، أو حتى إزالة التراب الناعم من عليها التراب الذى يهب من البادية!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة